الازايدة يكتب: (حبس المدين) بين العاطفة و الحاجة المجتمعية

  • 8/2/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ان التشريعات الوضعية جاء كنتيجة لتلبية حاجة المجتمعات لاستيفاء الحقوق بواسطة الدولة بدلا من استيفائها بالذات و لتنظيم العلاقة ما بين الأفراد و السلطة ، و تطورت القوانين الوضعية لتتوخى القدر الممكن من العدالة لان غايتها تلك هي التي تضمن استمرارية سيادة القوانين ، فالسلطة وحدها ليست سبيلا كافيا لهذه الاستمرارية ان لم تقترن بالعدالة رغم ان العدالة البشرية ليست مطلقة لكنها المتاحة حسب مفاهيم البشر .و من الجدير بيانه ان التشريعات التي تنظم المجتمعات و ان كانت تراكمية الا انها وُضعت ضمن منظومة متكاملة و ليس كتشريعات منفردة و كلما جرى تعديلها فانها تضع البديل لأي فراغ قد يخلّفه تعديل التشريع حتى لا تختل المنظومة فيختلّ خلفها المجتمع، و عليه فان على المشرع ان يكون حصيفا متمهّلا مدركاً لمفهوم التشريع متجرداً من العاطفة الآنيّة ، و لا فرصة للمشرع اليوم ان يسبق السيف العذل لان الوقت اسرع من ذي قبل . و لعلي لا أكون متطرفاً إن أخذت انطباعا بأن لدينا تخبطاً تشريعياً في الفترة الاخيرة خصوصا في التشريعات التي تنتجها الحكومة لاستحلاب ما تبقّى في الناس ؛ الا ان حديثي في هذا المقال يتعلق بمسألة إلغاء حبس المدين في قانون التنفيذ و قد سُقتُ هذه المقدمة لأنني - كقانوني- أصبحت فاقداً للثقة بالعملية التشريعية التي أصبحت تصاغ على عجل وتتأثر بالعاطفة والحلول الآنية بدلا من الحاجة المجتمعية الفعلية، و قد رأينا على الواقع اخطاء الصياغة التشريعية للعديد من النصوص المعدلة مؤخرا حتى وصفت بعض هذه التشريعات بعدم الدستورية.، فالتأنّي بإصدار التشريع اهم سمة يجب ان يتحلى بها من يصيغ مشروع القانون و من يشرّعه. من المعلوم ان معظم الدول الغربية لم تعد تستخدم حبس المدين كوسيلة ضغط لإلزامه على السداد الا ان لدى تلك الدول منظومات ادارية و تشريعية متكاملة تغني عن استخدام هذه الوسيلة و ربما تغني الدائن ابتداء عن إنشاء علاقة المديونية ؛ فنجد ان لديها ضوابط اخرى نتيجة ربط كل ما يتعلق بالشخص إلكترونياً و لديها ضوابط تضمن عدم تهريب المدين لأمواله او استخدام الذمة المالية لشخص اخر ، نظام متكامل يمكّن قاضي التنفيذ بأن يطّلع على ايراد المدين الفعلي ، و فوق ذلك ان ثبت له عجز المدين عن السداد كليا فالمدين أمام خيارين إما ان يعرض حلولا او ان يعلن افلاسه و لهذا الامر عواقبه و ان تبين عدم صحة زعمه او ثبتت قدرته على الدفع فالعقاب شديد و قد يصل الى سجنه سنوات .ما أردت الإشارة اليه أنني و انت كنت مع الاستغناء عن حبس المدين المعسر لكن ليس بإلغاء هذا النص وحده دون بديل بل بوضع منظومة متكاملة تضمن التمييز بين المدين العاجز عن السداد و بين المتحايل على العدالة ، و تعديل التشريعات المتعلقة بشركات التمويل و إلزامها بعدم تمويل الأشخاص غير المقتدرين و إلغاء النصوص القانونية التي اجازت الفائدة المركبة و الفائدة التي تتجاوز اصل الدين ، و لعل المشرع بحاجة الى الاطلاع على واقع الحال في دوائر التنفيذ حتى يدرك الحاجة المجتمعية للتشريع بشكل واقعي حتى تبقى المحاكم وسيلة للتقاضي و للحصول على الحقوق .

مشاركة :