رغم زيادة الاهتمام بتغير المناخ، فقد تم بناء عدد قليل نسبيا من المحطات النووية خلال العقود الثلاثة الماضية. وقد ازدهر بناء المحطات النووية لأول مرة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية في ستينيات وسبعينيات القرن الـ20. وقد استمر إنشاء عديد من هذه المشاريع حتى نهاية الثمانينيات من القرن الـ20، لكن منذ عام 1990 تم إنشاء عدد قليل نسبيا. وزاد بناء المحطات النووية مرة أخرى في عامي 2008 و2009، واستمر رغم حادثة فوكوشيما في عام 2011. وحاليا هناك 70 مفاعلا نوويا قيد البناء في جميع أنحاء العالم، وهو ما يعادل ثلث حجم المفاعلات التي تم بناؤها عندما بلغت عمليات البناء أوجها في أواخر سبعينيات القرن الـ20. وهناك 46 مفاعلا من هذه المفاعلات في آسيا، و15 مفاعلا في أوروبا الشرقية وروسيا، وخمسة مفاعلات في الولايات المتحدة. والمحرك الأكبر لعمليات البناء هو الصين التي لديها 26 مفاعلا قيد البناء وتعتزم بدء بناء عشرات المشاريع الإضافية خلال العقد المقبل. لماذا لا نبني مزيدا من المحطات؟ ربما أهم تفسير هو تكاليف البناء. فبناء محطة للطاقة النووية يتطلب مهندسين معماريين ومدنيين على درجة عالية من المهارة والتخصص لإدارة جميع مراحل التصميم والبناء والتجميع والاختبار. والحجم الهائل من محطات الطاقة النووية يعني أن معظم العناصر يجب أن تكون مصممة ومبنية بشكل خاص، وغالبا من خلال عدد قليل من الموردين في جميع أنحاء العالم. وإلى جانب ذلك، فإن الوقت الطويل اللازم للبناء يعني أن تكاليف التمويل كبيرة. وكان بناء المحطات النووية مكلفا دائما. لكن تبين التجربة الأخيرة أن تكاليف البناء ربما تكون قد زادت بالفعل. وكجزء من الطفرة الأخيرة في مجال البناء، بدأ بناء مفاعلين من "الجيل التالي" من جانب شركة أريفا الفرنسية في أولكيلوتو في فنلندا وفلامانفيل في فرنسا. وتوقع عديد من مؤيدي الطاقة النووية أن تكون هذه المحطات الجديدة بداية لمرحلة جديدة من بناء المفاعلات النووية في أوروبا. وبدلا من ذلك، واجه المشروعان مشكلات وحالات تأخير. ومن المتوقع الآن أن تتجاوز تكاليف البناء في الموقعين ثلاثة أضعاف التقديرات الأصلية. وبالمثل، هناك محطة جديدة في هينكلي بوينت في جنوب غربي إنجلترا تشكل مجرد بداية عمليات البناء، لكن تأخر تنفيذ الجدول الزمني لبنائها بالفعل عدة سنوات ومن المتوقع ألا تقل تكلفتها عن 25 مليار دولار. وتعد هذه التجاوزات في التكاليف بمنزلة تذكير قوي ببعض التحديات التي يمكن أن تحدث أثناء عملية البناء. وفي الآونة الأخيرة، اكتشفت شركة أريفا مشكلات تتعلق بجودة الصلب المستخدم في وعاء مفاعل المحطة الفرنسية. ويجب أن تفي محطات الطاقة النووية بمتطلبات السلامة الصارمة إلى درجة يتحتم معها غالبا حدوث بعض التأخيرات والتجاوزات في التكاليف. وكان الأمل دائما أن يؤدي التعلم بالممارسة إلى خفض تكاليف بناء المحطات النووية. والفكرة هي أنه كلما زادت عمليات البناء قلت تكاليفها. والأدلة التجريبية على ذلك متفاوتة، لكن ربما لا يكون من قبيل المصادفة أن أقل تكاليف للبناء في العالم اليوم هي في الصين، حيث القدرات النووية الأسرع نموا. وإحدى الأولويات المهمة للصناعة النووية هي دراسة هذه المنشآت الجديدة التي أقامتها الصين بعناية وفهم كيف تمكنت من خفض التكاليف. وقد يكون هناك سبب آخر يدعو إلى التفاؤل وهو المفاعلات النموذجية الصغيرة. فقد يقلص بناء كثير من المفاعلات المتطابقة والأصغر حجما من التكاليف الأولية ومن ثم يجعل تحديد المواقع أسهل. ويتبنى هذا الخيار عديد من الشركات النووية المبتدئة المثيرة للاهتمام، كما يتابع المطلعون على أسرار الصناعة هذه التكنولوجيا متابعة وثيقة للغاية، ويتطلعون إلى تنفيذ المشاريع الإرشادية قريبا. لكن ستظل الأمور غير سهلة بالنسبة للطاقة النووية. فإلى جانب ارتفاع تكاليف البناء، تواجه الطاقة النووية تحديات كبيرة أخرى. وعلى سبيل المثال، يعد الغاز الطبيعي في أمريكا الشمالية رخيصا إلى الحد الذي يصعب معه تبرير أي نوع آخر من محطات توليد الطاقة. ويمكن بناء محطة طاقة نووية وبيع الكهرباء على مدار الساعة، لكن لا يتم تحقيق ما يكفي من الأرباح لتغطية تكاليف المحطة. وحتى المحطات النووية القائمة في أمريكا الشمالية تعاني ماليا. ومنذ عام 2010، أغلقت خمسة مفاعلات أمريكية. وأعلنت محطتان أخريان الإغلاق المبكر، وجاء إعلان إحداهما أخيرا في تشرين الأول (أكتوبر) 2010. وفي الحالتين الأخيرتين، أشار المشغلون إلى سوء التوقعات الاقتصادية كعامل مؤثر في قرار الإغلاق المبكر. وقد توقع المحللون احتمال إغلاق محطات أخرى، واعتبار أن العقبة الحقيقية تتمثل في الغاز الطبيعي الرخيص. وبطبيعة الحال، تتوقف أمور كثيرة على الرأي العام والترخيص الاجتماعي للعمل سواء بالنسبة للمحطات القائمة أو الجديدة. فتراجع التأييد الشعبي منذ حادثة فوكوشيما، واستمرار المخاوف بشأن تخزين الوقود المستهلك، وانخفاض تكاليف توليد الطاقة المتجددة، وعدم وجود سعر عالمي لانبعاثات الكربون أسهمت جميعها في إثارة رياح عكسية قوية أمام الطاقة النووية. هل يتجه العالم إلى نهضة نووية بقيادة الصين؟ نقطة التحول التي تمناها كثيرون لم تحدث حتى الآن. فلا تزال تكاليف البناء مرتفعة للغاية والتكنولوجيا البديلة رخيصة للغاية، كما أن الالتزام العالمي غير كاف للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وهناك مجموعة من العوامل يمكن أن تجعل الطاقة النووية خيارا اقتصاديا مجديا. وبخلاف ذلك، ستتلاشى الطاقة النووية بمرور الوقت باعتبارها جزءا بسيطا في عملية توليد الكهرباء.
مشاركة :