الضيف الثقيل

  • 4/17/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تخيل بأنك جالس في عقر دارك آمنا مطمئنا وفجأة يقرع بابك شخص تعرفه، فتدخله وتكرمه مبتسما مرحبا مقدما له أنواع الضيافة، ولكنه يجد في كل شيء تكرمه به نقصا ولا تسمع منه إلا الانتقاد، فيقول لك: هذا المقعد الذي أجلستني عليه غير مريح فالمقاعد التي في بيتي أكثر راحة، وهذه الفواكه التي قدمتها لي ليست لذيذة، فالتي في منزلي أطيب منها، والقهوة التي تقدمها لي ليست بجودة القهوة في منزلي، والسجاد ليس وثيرا مثل السجاد في بيتي، وصالونك ليس منيرا جيد التهوية مثل صالوني! وفجأة يتجاوز كل حدود الأدب فيتدخل في سياسة بيتك فيقول: والدتك لا تحسن التدبير فهي لا ترتب منزلكم كما يجب، فهذه الطاولة يتوجب أن تنقل إلى تلك الحجرة وتلك المرآة يجب أن تعلق في حائط آخر ، وأما والدك فهو لا يجيد تدبير بنود الإنفاق، فبدلا من أن ينفق الكثير من المال في شراء الطعام يتوجب عليه أن يهتم أكثر بالاعتناء بالحديقة أو غير ذلك. بكل صدق وأمانة، بما سوف تشعر إن حل عليك ضيف كهذا؟ هذا شعوري بالضبط حينما أسمع امتعاضات بعض المقيمين للأسف في بلدنا الحبيب الذي احتضنهم وعوائلهم أحيانا منذ أجيال. فبعضهم كما يقول المثل الإنجليزي يبصق في الحساء الذي يشرب منه والذي يسد رمقه. وأنا لا أتحدث عن الجميع فالكثير من المقيمين من أفضل الناس ولدي منهم أصدقاء عمر أعزاء ممن لا شك في ولائهم أو عرفانهم وهذا طبع الإنسان الكريم إذا أكرمته. ولكنني أخص الفئة القليلة الناكرة للجميل وخاصة في هذا الوقت الذي نمر به بأحداثه المهمة. والغريب في الموضوع بأنني لاحظت بأن أصول هؤلاء المتفلسفين لا تنتمي لأي بلد معني بالأحداث الحالية إطلاقا. فهم دخلاء على الحدث بأكمله وهدفهم فقط الاعتراض بجهل أو لؤم. وإن كان نكران الجميل مكروها دوما، فإنه في بعض الأحيان يكون أكثر مقتا وذلك حينما يتوجب على الجميع مواطنين ومقيمين الشعور بالوحدة الوطنية والانتماء. فنحن المواطنون نحيا في هذا البلد الكريم الذي يشعر ببركته واستقراره كل من عاش فيه. وأجدادنا قد بايعوا مؤسسه الملك عبد العزيز رحمه الله على الولاء والطاعة في كل الأحوال: في السلام والحرب وفي الرخاء والشدة. ونحن مازلنا على ذلك العهد. ومن الذكاء أن ننظر للدول الأخرى سواء القريبة منها أو البعيدة لنقارن ونحمد الله على نعم لا تحصى وأهمها الأمان والاستقرار. فبلدنا هو الأم التي احتضنتنا، وهو الذي وفر لنا وسائل التعليم والاستشفاء والاستقرار والأمان والكرامة. ننام ونحن مطمئنون على أرواحنا وأطفالنا ومنازلنا وأملاكنا. نخرج ونرجع رجالا ونساء وأطفالا صباحا ومساء وفجرا دون خوف من قطاع طرق أو قتلة أو ميليشيات مسلحة. وهذه نعمة يتقاسمها المواطن والمقيم. قالت لي صديقة من أفريقيا الجنوبية وهي من أصول هولندية بيضاء إن أباها قتل بسبب هاتف جوال يحمله أراد بعض اللصوص سرقته وهذا شيء شائع جدا هناك، والمصيبة أن اللصوص اكتشفوا أن الهاتف موديله قديم فألقوه بإهمال بجانب الجثة وأكملوا طريقهم!، ولاداعي للأمثلة البعيدة فنحن نسمع الهوائل من قصص بعض الدول العربية التي تعاني من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، ولي صديقة عربية لم تزر بلدها منذ سنوات لكثرة قطاع الطرق والسرقات والاغتصابات والقتل بعد تغيير النظام السياسي. نحن والحمد لله لا نعرف هذا بتاتا ونسمع عنه بتعجب وكأنه من أحداث السينما وهذه نعمة كبيرة يدركها أي عاقل. فيتوجب على كل مقيم أن يحترم سياسة البلد الذي استضافه سواء أعجبته قوانينه أم لم تعجبه، وهذا شيء معروف في سياسات الإقامة في جميع دول العالم. فالمقيم هو القادم وهو الذي اختار بمحض إرادته أن يقيم في بلد ما بعينه دونا عن جميع البلاد، ولذا فيجب أن يحترم من استضافه وبذلك يحترمه المضيف ويرحب به ويعيش الجميع بسلام. أما إذا كان المقيم مزعجا قليل الاحترام والتهذيب فالموقف منه مماثل لموقفنا جميعا من أي ضيف يأتينا لدارنا وينتقدنا ويتفلسف وينتقص، فلا يسعنا أن نقول لمثل ذلك الضيف إلا جملة واحدة: «بابنا مفتوح وذلك من الجهتين، فاختر أي جهة تريد ورافقتك السلامة»..

مشاركة :