الزمان والمكان شكلان رئيسيان لوجود المادة. والفلاسفة معنيون أساسا بما إذا كان الزمان والمكان حقيقيين أو انهما بكل بساطة تجريدان خالصان لا يوجد إلا في وعي الإنسان». بهذه المقدمة الاصطلاحية لتلك العلاقة الثلاثية نستكمل ضرورة التركيز على خطايا ومصائب بعض الفيديوهات. لقد شاهدت فيلما بعنوان «نجوم الزمن الجميل»، فقلت لنفسي بما ان الموضوع متعلق بمسألة الرياضة، وكوننا كنا قبل أكثر من نصف قرن ننتمي لهذا الجيل، غير أن المؤلم ان صانعي تلك الأفلام لم يكلفوا انفسهم التقسيم الزمني والتمرحل في تحديد مفهوم ومعيار ما هو الزمن الجميل، هل هم لاعبو فترة الاربعينات بحيث يُخصص لهم فيلم يتعلق بزمنهم، فنكون امام مرحلة الاربعينات ولاعبيها، وفيلم يتمركز في فترة الخمسينات، او يكون هناك عقدان، كالاربعينات والخمسينات، يتم دمجهما كمادة اخراجية، ثم يتم التركيز على زمن وفترة الستينات، الثرية بمادتها وتطورها الكروي، فيتم تسليط الضوء على العصر الذهبي للسبعينات ثم الثمانينات حتى التسعينات، وينتهي القرن المنصرم برجالاته ولاعبينه ومرحلته. عندها نفهم كيف قرأ مؤلف ذلك الفيديو مصطلح ومعنى عبارة الزمن الجميل. وإذا ما كان يرى في العقدين المنصرمين كزمنين قريبين من الالفية الثالثة كزمن جميل، فإننا عندها نستوعب تلك «الخلطة» في التعاقب الزمني والتسلسل المراتبي، بين أجيال قطعت شوطا بعيدا تجاوز النصف قرن مع جيل لم يكن إلا الجزء المكمل لذلك الجيل، فتعاقب العطاءات الرياضية عملية تراكم تاريخي بحاجة للأمانة الموضوعية عند المرور حول صور اللاعبين وتاريخهم. ومن يتعاطى مع قضايا إعلامية وثقافية ورياضية جديرة بالاهتمام، من الضروري الاعتماد على من يمتلكون خبرة كافية وتجربة غنية عاشوها، وقد شهدت لهم فيها ملاعب الكرة صولات وجولات، زمن لم تكن هناك فيه وسائل التصوير الكافية ولا المواصلات السهلة ولا ملاعب مزروعة ولا دلال الإدارة وغيرها، فكل ما عرفه لاعبو ذلك الوقت هو التفاني والحب دون مقابل، والأندية لم تكن مرتعا للوظيفة والإغراءات، فقد كان كل شيء مختلف. لا أعرف كيف تم تصنيف لاعبي الزمن الجميل في مراحل زمنية مختلفة، وكيف بإمكاننا أن نقوم بمقارنة وبمفاضلة مغلوطة لزمنين مختلفين وناس مختلفين في الأساس، صنعتهم الظروف قبل أن يصنعوها، وليس لهم دخل في كونهم ينتمون لزمن جميل وزمن «غير» جميل! حيث ليس من السهولة ان نرسم ملامح كل زمن بجماليته المرتبطة فقط بمقاييس زمن جميل آخر، نسبية الجمال ونسبية الزمن تحمل في طياتها وعمقها بعدا دلاليا وبسيطا، فلكل زمان دولة ورجال، كما ان صراع الأجيال واختلافها على الدوام وباستمرار لن يوقف او يلغي حق كل جيل، أن يفتخر بزمانه وبمذاق ذلك الزمان بجماله وتشكله. نخطئ ليس مرة واحدة أو مرات، متى ما توهمنا ان الماضي وحده هو ذلك «الزمن الجميل» الحالم.
مشاركة :