كثرت في الفترة الأخيرة أو السنوات الأخيرة مقولة أو عبارة يرددها الناس كثيراً، بل وتحولت عند البعض لمشاريع إخراج أفلام وفيديوهات (يوتيوب) عديدة مختلفة في مستويات الاخراج والجودة، هذه المقولة هي «الزمن الجميل!» وطبعًا من يتشبثون بتلك العبارة ويتفاعلون معها ليسوا الجيل الجديد اطلاقا فهي حياة حضارة بشر «سادت ثم بادت» من يتعلقون بها هم الجيل، الذي عاش تلك المرحلة المعنية بالزمن الجميل، وهم بالضرورة، حين الحديث عن ذلك الزمن نجدهم جماعات مصابة بعضهم «بالنوستالوجيا» خاصة وأن الحنين حالة إسقاط من الماضي على الحاضر يعيشها الافراد الأكثر احباطًا وتأزماً للمقارنة بين «زمنين» يعيشونه بكل إحاسيس متناقضة متوترة حينما يقومون بعملية مقارنة بين حياتهم وواقعهم الحالي وواقع زمن عاشوا فيه وتعايشوا عليه ومعه بكل تفاصيل ذلك الزمن المنساب وهو في حالة «سيولة» تمتد كالنهر المندفع، فيما الجيل الشاب لا يملك تلك المقارنة ولا الحنين بين ما يسمى «الزمن الجميل» وزمنهم الذي في بداية طوره وتشكله، وهم بحاجة الى زمن أطول لكي تتراكم ساعات الحياة ورحلتها ويقطعون نصف قرن من حياتهم لكي تصبح لديهم حالة مقارنة وحنين بين الماضي والحاضر، ويلمسوا حقيقة الجملة فعلاً وقولاً وهل هناك فعلاً كان زمن جميل ؟ أم أنه زمن متخيل نسبي كما هو كل المجتمعات البشرية، التي تنطلق في قانون الزمن ومقولته الفلسفية الكبرى في بعد واحد واتجاه واحد من الماضي للمستقبل. نحتاج تقليب تلك المقولة الفلسفية – الاجتماعية وتفكيكها بهدوء فهي تعبير عن المتغير الاجتماعي الانساني السكاني، وتداخل ثقافات وقيم جديدة قياسا بمقاييس كل زمن. حاولت التوقف مليًا كل مرة مع فيديو جديد، فوجدت لدى كل مجموعة وهي عند حائط مبكى الحنين لذلك الزمن «الجميل» تداخل وارتباك في المعنى الدلالي او الواقعي لذلك الزمن، فليس المقصود حالة شيخوخة المجتمع وتفككه وضياعه، فلا يمكن عندما نفكك المشاهد والصور والحياة الفعلية لتلك الفترات من الزمن الجميل المعني و«المشتهى!» هذا الحنين النفسي والعاطفي، المرضي أحيانًا، يدرك او لا يدرك أنه لن يستطيع لا إيقاف الزمن ولا ترجيع ساعة الزمن وعقربها للوراء. هؤلاء النوستالجيون هكذا ساضطر تسميتهم طوال المقالة، حيث تتسرب بين صورهم وطريقة الغناء نمط من البكاء والندب على حالة ووضع من الحياة فما هو بالضبط «الزمن الجميل؟» دعونا نتسلل الى مساماته التاريخية انطلاقا من واقع محسوس، فهل الزمن الجميل؟ هو ذلك المجتمع البحريني البسيط، الطيب، الكريم، الوديع؟ هل هي تلك الأحياء والقرى الساكنة الاليفة المتحابة الوديعة بأبوابها المفتوحة؟ هل ذلك الزمن الجميل هو المجتمع البائس، المدقع بسياط الفقر والحرمان، والذي كان يعيش على فتات الخبز والماء والتمرة؟ هل كان ذاك الزمن الجميل بلا بيوت مضاءة ولا غرف بتهوية صحية ومرافق كافية كنمط من مجتمعات البؤس الانساني؟ هل كان الزمن الجميل مجرد صورة ايجابية ساطعة بين الناس ضمن علاقات انسانية وردية بلا نزاعات او نميمة او حسد او توترات متبادلة بين البشر وهم يتبادلون فيما بينهم تلك العلاقات الاجتماعية في الحي أو القرية؟ نفتش في مقولة الزمن الجميل لعلنا نمسك بخيوط تلك اللوحة فهل الزمن المقصود تلك «القيم» كالبساطة والطيبة وغيرها «أم تلك الظروف المادية» البائسة للناس، أم الاثنين معًا، أم مجتمع البساطة البدائي التقليدي، مجتمع ما قبل الحداثة والاكتشافات النفطية والتجارة والانفتاح على العالم. هل شكلت العزلة والنقاء العرقي معيارًا للزمن الجميل أم تدفق الغرباء اخترق تلك المقولة «الزمن الجميل» فتهشمت الصورة كقطع الكريستال، فمن تبكيهم لوحة الزمن الجميل هم من باتوا يقارنون البحرين في لحظتها الحضارية الجديدة مع البحرين في لحظتها الحضارية الساكنة المتلاشية، فيغمرهم القلق والخوف من عناصر التغيير. النوستالجيون بالضرورة مشدودون لعجلة الماضي المندثرة ويتوارون عن مواصلة مشهد الواقع المضيئ للجيل الجديد.
مشاركة :