شكّلت الأشهر السبعة الماضية أياماً فارقة في تاريخ السودان، وكتب الشعب بدمائه وإصراره مرحلة جديدة تقوم على الدولة المدنية، التي خرجت من رحم ثورة السودانيين على ارتفاع أسعار الخبر ثلاثة أضعاف في 19 ديسمبر الماضي، وما عانوه من الأزمة الاقتصادية والتدابير التقشفية التي فرضها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، خصوصاً في أواخر حكمه الذي امتد نحو 30 عاماً. ربما لم يكن من المتوقع أن يطيح «رغيف الخبز» بالبشير، لكن عدم استماع الرئيس السوداني السابق إلى الأصوات العاقلة التي طالبته مراراً بعدم الترشح لولاية رئاسية جديدة، ولا الشارع الذي طالبه بترك السلطة انطلاقاً من قاعدة «تسقط بس»، كانا سببين في زيادة إصرار الشعب السوداني على رحيل البشير، وأيضاً التمسك بالدولة المدنية التي حل الهتاف لها في كل التظاهرات التي شهدها هذا البلد. بعد اعتصام السودانيون أمام مقرّ قيادة الجيش في الخرطوم منذ السادس من أبريل الماضي، للمطالبة بتغيير النظام السياسي، وبعد الإطاحة بالبشير في 11 أبريل، زاد إصرار السودانيين على أنهم لن يفرطوا في مطالبهم وأحلامهم بالدولة المدنية، ونجح إضراب 28 و29 مايو الذي أصاب جميع أنحاء البلاد بالشلل، في الضغط على المجلس العسكري الحاكم، الذي بدأ في تقديم التنازلات، لكن فض اعتصام المحتجين بالقوة أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، ومقتل أكثر من 100 شخص، أدى إلى إيقاف المفاوضات بين المجلس والحركة الاحتجاجية، وزاد الإصرار مجدداً لدى السودانيين بأنهم لن يتخلوا عن مطالبهم، وصورة الدولة المدنية التي داعبت مخيلتهم وأحلامهم وهم في ساحات التظاهر والاعتصام. ورغم نجاح الوساطة الإفريقية في تقريب وجهات النظر بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، والاتفاق في الخامس من يوليو الماضي على الخطوط العريضة للفترة الانتقالية، ثم التوقيع في 17 من الشهر ذاته بالأحرف الأولى على«الإعلان السياسي»، إلا أن مقتل ستة متظاهرين بالرصاص، بينهم أربعة طلاب، في نهاية الشهر، أدى إلى تعليق المفاوضات، وزاد إصرار السودانيين مرة أخرى على عدم تفريطهم في دماء ضحايا الثورة، وبعد توقيف تسعة عناصر من قوات الدعم السريع، عادت المفاوضات مرة أخرى، وتم التوقيع بالأحرف الأولى على الوثيقة الدستورية، بالأمس، والاتفاق على تفاصيل المرحلة المقبلة، بما يفتح المجال أمام انتقال السلطة إلى المدنيين، ولتصبح الدولة المدنية هي عنوان السودان الجديد.ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :