دي ميستورا يختبر «نكسات النظام» بالحل السياسي

  • 4/17/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الرئيس الأميركي باراك أوباما أبلغ قادة دول عربية التقاهم في الفترة الأخيرة بألّا ينتظروا تدخُّلاً عسكرياً أميركياً في سورية، بل أن يأخذوا هم المبادرة وأميركا «مستعدة للدعم من الخلف وتقديم المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجيستي»، بالتزامن مع قيام المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بجلسات عصف فكري قبل بدئه في الأسابيع المقبلة جولة استشارات مع اللاعبين الدوليين والإقليميين في جنيف، للعودة الى المسار بغطاء يوفر اجتماع وزاري لخارجية الدول الخمس الدائمة العضوية لمناسبة الذكرى الثالثة لصدور «بيان جنيف» في نهاية حزيران (يونيو) ٢٠١٢. إذاً، القطار السوري على مسارين: الأول، تصعيد ميداني داخلي بدعم إقليمي إضافي للمعارضة السورية والتلويح بتدخل عسكري إقليمي بـ «دعم من الخلف» من واشنطن. الثاني، بحث العودة إلى المسار السياسي وعودة القطبين الأميركي والروسي لاختبار أفق الحل السياسي بعدما افترقا عقب انهيار مفاوضات وفدَي الحكومة السورية والمعارضة في «جنيف - ٢» بداية العام الماضي. أو بدقة أكثر، اختبار مدى نضوج النظام وحليفيه الإيراني والروسي بعد «نكسات النظام العسكرية» في مناطق مختلفة في سورية، واختبار استعداد حلفاء المعارضة بعد تنامي أخطار الإرهاب وتهديدات تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). عسكرياً، لم تستطع قوات النظام وأنصارها إحكام الطوق على حلب، بل كان العنوان العام للوضع السوري في الأشهر الأخيرة هو «الجمود المرن». تقدم هنا وتراجع هنا إلى أن مُنيت القوات النظامية بسلسلة نكسات في الأسبوعين الأخيرين، إذ سيطر «جيش الفتح»، وهو تحالف من سبع فصائل بينها «أحرار الشام الإسلامية» و «جبهة النصرة» و «فيلق الشام» التابع لـ «الإخوان المسلمين» على مدينة إدلب شمال غربي سورية، لتكون ثاني مدينة تخرج عن سيطرة النظام بعد الرقة في شمال شرقي البلاد. وجرى الحديث أيضاً، عن اتفاق هذه الفصائل على تشكيل مجلس مدني في إدلب يضم ١٥ عضواً بالتوافق بين هذه الفصائل لتقديم الخدمات والأمن والعدل، إضافة إلى استمرار حوالى ستة آلاف مقاتل في «جيش الفتح» معارك السيطرة على موقعي «معسكر الطلائع» في المسطومة بين إدلب وأريحا ومعمل القرميد بين أريحا الخاضعة لسيطرة النظام وسراقب (تحت سيطرة المعارضة) باتجاه حلب شمالاً. حاولت المعارضة وحلفاؤها تجنيب إدلب السقوط في «فخ الإرهاب». قُوبلت هذه المحاولة، بحملة من القوات النظامية بحثاً عن استعادة هذه المدينة مدعمة بقصف وتركيز على البنية التحتية والمدنية والخدمات. ما حصل في «جبهة الشمال»، تزامن في «جبهة الجنوب» مع سيطرة المعارضة على مدينة بصرى الشام في ريف درعا بعد أسابيع على إطلاق القوات النظامية مدعومة بعناصر «حزب الله» بدور قيادي لـ «الحرس الثوري الإيراني» في «مثلث الجنوب» الذي يضم أرياف درعا والقنيطرة ودمشق بين العاصمة والجولان المحتل وحدود الأردن. كما استكمل هذا بسيطرة المعارضة على معبر نصيب على الحدود الأردنية. وكان لافتاً، أن «جبهة النصرة» أجبرت على الانسحاب من معبر نصيب والحدود السورية - الأردنية، بل إن جميع الفصائل المنضوية تحت لواء «الجبهة الجنوبية» في «الجيش الحر» أصدرت بيانات منفصلة تحمل المضمون نفسه، وهو القطيعة الكاملة سياسياً وعسكرياً وفكرياً مع «جبهة النصرة» و «الفكر التكفيري». هذه المواقف، جاءت بعد هجوم شنه تنظيم «الدولة الإسلامية» على مطار عسكري في السويداء المجاورة لدرعا وعلى مخيم اليرموك في جنوب دمشق، إضافة إلى استمرار تقدم التنظيم في ريف حمص والتحرك البطيء في الريف الشرقي لحلب. كان واضحاً أن هناك قراراً بتموضع فصائل «الجيش الحر» في الجنوب وأن تنأى بنفسها عن «داعش» و «النصرة». معارك إدلب ومعبر نصيب ومدينة بصرى الشام، فيها أمران جديدان. أولهما، التناغم بين «جبهتي» الشمال المدعومة من تركيا والجنوب المدعومة من الأردن ودول الخليج. ثانيهما، تجاوز «الخطوط الحمر» أو «قواعد اللعبة». سُمح للمعارضة أن تتجاوز خطوطاً كان متفاهماً عليها في السنوات الأخيرة من الصراع في سورية وعلى سورية، إذ سيطرت فصائل المعارضة على آخر معبر حدودي مع الأردن بوابة سورية إلى الخليج. سُمح للمعارضة بالسيطرة على مدينة كبرى في الشمال، إحدى بوابات سورية إلى تركيا. سُمح أيضاً بسيطرة المعارضة على مدينة بصرى الشام التي كانت مركزاً مهماً للإيرانيين والميليشيا ومدينة فيها الكثير من الشيعة. تجاوز هذه الخطوط، كان محرماً. مرات عدة، كان المعارضون على أبواب معبر نصيب، وطُلب منهم في اللحظة المناسبة، وقف المعارك أو قطع إمداد الذخيرة عنهم فجأة. عليه، لا يمكن تجاهل تغيير «قواعد الاشتباك» في سورية عما حصل في الإقليم، خصوصاً في اليمين عندما فُسر تمادي إقدام إيران في دعم الحوثيين عبأنه تجاوز «الخطوط الحمر» والدخول في المنطقة المحرمة لأمن الخليج. في النتيجة، الصراع لن يبقى إلى ما لا نهاية. سيأتي يوم ويجلس الفرقاء إلى الطاولة. الفرقاء المحليون بغطاء إقليمي وبسقف دولي. من هنا، تأتي أهمية ما يحصل على المسار السياسي، إذ إن المبعوث الدولي وصل إلى الجدار في محاولته لـ «تجميد» القتال في حلب. فشل في لقاء فصائل المعارضة الفاعلة في حلب لقناعة قادتها أنه «منحاز للنظام وإيران» وعدم قناعة تركيا ودول خليجية رئيسية بجدوى جهوده. وفشل أيضاً في تطبيق اقتراح الحكومة السورية بـ «وقف القصف الثقيل عن حلب لستة أسابيع». لكنه، حرص على عدم إعلان الفشل، كي يترك خياراته مفتوحة. وعلى الرغم من سعيه إلى استخدام هجوم «داعش» على مخيم اليرموك كـ «مدخل» للأزمة السورية، فإن الشغل الفعلي له، هو العودة إلى المسار السياسي. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون طلب من دي ميستورا العمل على استئناف المسار السياسي. المبعوث الدولي ذاهب في ٢٤ الجاري إلى مجلس الأمن للحصول على دعم القوى الكبرى. لكن الخلاف هو على الطريق التي يمكن سلوكه. يعرف دي ميستورا قبل غيره أن ثلاث مشاكل كانت موجودة في «جنيف - ٢»، هي: غياب اللاعبين الإقليميين الفاعلين واحتكار «الائتلاف الوطني السوري» تمثيل المعارضة السورية وعدم ممارسة روسيا (الغاضبة وقتذاك بسبب الملف الأوكراني) الضغوط الكافية على وفد الحكومة لمناقشة البعد السياسي والاكتفاء بأولوية «محاربة الإرهاب». حاول الروس حل «إشكالية» تمثيل المعارضة، وسلم الأميركيون بذلك، عبر عقد جولتين لـ «منتدى موسكو»، الأمر الذي حاول فعله أيضاً الجانب المصري. لكن المشكلة الأولى، أن «الائتلاف» غاب عن هذين اللقاءين. المشكلة الثانية، أن الوفد الحكومي لم يقدم شيئاً إلى الروس في منتداهم، بل إن المعلومات المتوافرة تفيد بأن دمشق رفضت مبادرة روسية آتية من الرئيس فلاديمير بوتين نفسه، تضمنت إطلاق سراح معتقلين وتشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة شخصية معارضة، باستثناء ما أقدمت عليه السلطات من إطلاق حوالى ٧٠٠ معتقل وأبلغت الروس بأن ذلك «مبادرة حسن نية» للحوار السوري في موسكو. بين هذا وذاك، تسعى باريس إلى جمع قطبي المعارضة الرئيسيين «الائتلاف» و «هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديموقراطي»، وسط أنباء عن مساعي دول خليجية إلى عقد مؤتمر واسع للمعارضة السورية «لا يستثني أحداً». دي ميستورا مكلّف وعازم على البحث عن احتمالات العودة إلى المسار السياسي، ربما لاختبار آثار «النكسات العسكرية» على تفكير النظام وحليفيه الإيراني والروسي. أمام المبعوث الدولي خياران، الأول، الإصغاء إلى اقتراح عقد مؤتمر موسع أشبه بمؤتمر مونترو الذي جرى في بداية العام الماضي، في حضور حوالى عشرين دولة، لكن هذه المرة في حضور إيران لتوفير الغطاء الدولي - الإقليمي للحل السياسي وامتحان أثار الصفقة النووية إقليمياً. الثاني، عقد مؤتمر على مستوى وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية للتشديد على الحل السياسي و «بيان جنيف». وهناك طرح اقتراح أن يسبقه لقاء أميركي - روسي على مستوى وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف أو مساعديهما لتوفير التوافق بين الطرفين أساساً لتوافق الدول الخمس، وفق معلومات متوافرة. تحت هذه العباءة، يدور صراع خفي. روسيا تسعى إلى هدم مرجعية «بيان جنيف» برفع أولوية محاربة الإرهاب على تشكيل «هيئة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة». حاولت موسكو أن يسفر «منتدى موسكو» عن الدخول في توفير مرجعية ليست بديلة، بل داعمة للتفسير الروسي لـ «بيان جنيف» على الأقل، أي مزيداً من الذخيرة للصراع الديبلوماسي. حاولت إعطاء أولوية لمحاربة الإرهاب ومكافحة «داعش». دخل بعض المعارضين في هذه اللعبة من دون إدراك أبعادها السياسية. في المقابل، تتمسك واشنطن وحلفاؤها بعدم المساس بمرجعية «بيان جنيف» وبحث تشكيل «الهيئة الانتقالية» أو «الانتقال السياسي»، لأنها تدرك أن الظروف التي صدر فيها البيان في منتصف ٢٠١٢ مختلفة عن الظروف الراهنة، إضافة إلى ارتفاع أهمية تحدي الإرهاب والأبعاد الإقليمية. لكن الشيء المفيد، أن الطرفين لا يزالان يدركان أن «بيان جنيف» لا يزال المرجعية الوحيدة والوثيقة الدولية المتوافرة أساساً لأي حل سوري آجلاً أو عاجلاً. هذا التسخين الميداني والديبلوماسي للعودة إلى المسار السياسي، لا يمكن عزله عن الأولوية الأساسية في المنطقة، المتمثلة بمحاربة «داعش»، إذ إن التوقعات تشير إلى أنه مع نهاية العام سينتهي التحالف الدولي - العربي والحكومة العراقية من تحجيم «داعش» في العراق بعد خوض معركة مدينة الموصل في الصيف المقبل، ما يعني بدء التفكير بنقل المعركة إلى سورية. محاربة «داعش» في سورية، تتطلب أمرين موجودين في العراق، وفق مسؤولين غربيين. الأول، حكومة شاملة - تمثيلية. الثاني، شريك محلي على الأرض. للوصول إلى هذين الأمرين، يمر الطريق عبر بوابة «بيان جنيف» وتشكيل هيئة انتقالية أو إطلاق عملية سياسية على الأقل، توفر الشرعية والشريك لمحاربة «داعش» في سورية. هذا السيناريو المتفائل، رهن أو أسير مواعيد وتطورات إقليمية ودولية عدة: نتائج «عاصفة الحزم» في اليمن، ومآلات الحرب على «داعش» في العراق ودور «الحشد الشعبي» بعد اعتباره جزءاً من مؤسسات الدولة ومدى جدية الحديث عن القوة العربية المشتركة، باعتبار أن الموضوع السوري بات جزءاً من المقايضات الإقليمية. أيضاً، الأفق السوري رهن نتائج الانتخابات التركية في حزيران (يونيو) وبدرجة أقل بكثير بنتائج الانتخابات البريطانية في أيار (مايو) وبدرجة أكثر بالاتفاق النهائي للاتفاق النووي الإيراني - الغربي في تموز (يوليو)، وصولاً إلى بدء الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية في أيلول (سبتمبر) المقبل. غير أن المسارين العسكري والسياسي، يعتمدان راهناً على نتائج قمة أوباما مع قادة مجلس دول الخليج بعد أسابيع. نتائج هذه التحديات، قد تفلت المسار العسكري من عقاله و «خطوطه الحمر» وتتركه الخيار الأوحد إلى حين مجيء رئيس جديد إلى البيت الأبيض في بداية ٢٠١٧، ما لم يذخر ذلك على طاولة التفاوض… عندما يجلس المتفاوضون لتشريح سورية والمنطقة. * صحافي سوري من أسرة «الحياة»

مشاركة :