قبل ثورة مواقع التواصل الاجتماعي وما عرف بالإعلام الجديد كان تأثير الصحف الورقية يقاس بقوة الرأي، على رغم أنها كانت المصدر الأساسي والموثوق للخبر وبقية الفنون الصحافية الأخرى، فتنافست المؤسسات الإعلامية في استقطاب أبرز الأقلام المؤثرة لإدراكها أن الصدارة للرأي، والتفرد قد لا يتحقق بالسبق الصحافي أو قوة المصادر بقدر ما يتحقق بقوة الرأي وفكر الكُتّاب. تعددت المنابر الإعلامية وتأثرت الصحف الورقية بالثورة التقنية، التي جعلت كل من يحمل جهازاً كفياً مصدراً للخبر على اختلاف الموثوقية؛ وحلّت بعض الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي محل أعرق الصحف وأكثرها انتشاراً، حتى إن كثيراً من وكالات الأنباء العالمية وجدت نفسها مسبوقة بمنابر شخصية استطاعت أن تكسب الرهان في السبق وسرعة الانتشار، وهذا طبيعي طالما أن هذه المنابر الجديدة المؤثرة مرتبطة بالتقنية ومستجداتها. أمام هذا التراجع لوسائل الإعلام التقليدية وتصدر الإعلام الجديد يبقى الرأي سيد الموقف، فـ «كُتّاب الرأي» لم يتلقفهم أي منبر جديد، حتى أنفسهم كان بإمكانهم أن يطلوا على قرائهم بمقالاتهم عبر منابرهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي لكنهم لم ولن يفعلوا، والصحف الورقية التي تئن اليوم تحت وطأة مواقع التواصل الاجتماعي وتنتظر الموت البطيء لم تتنبه إلى أن مواقع التواصل سلبت منها كل شيء إلا «الرأي»، الذي ظهر أنه لا يمكن أن يقدم إلا من خلال المؤسسات الرصينة. لا شك أن تراجع الرأي في بعض المؤسسات الصحافية يرجع إلى مغادرة بعض الأقلام المؤثرة للمشهد، وهذا يدعو إلى تحليل الواقع والوقوف على الأسباب التي ربما تعود إلى الكُتّاب أنفسهم الذين اعتادوا على «المكافآت السخية»، أو للمؤسسات الصحافية التي ضحت بالأقلام المؤثرة تحت بند «ترشيد النفقات» واستبدلتها بأقلام تطوعية على حساب جودة الرأي وتأثيره. وكما أن الكُتّاب بحاجة إلى التقدير المادي والمعنوي بالشكل الذي يحفزهم على الاستمرار في أداء رسالتهم، خاصة أن كتابة الرأي من أكثر الأعمال الفكرية مشقة وعناء؛ يُترقب منهم أيضاً الوفاء لقرائهم وللمؤسسات الصحافية - التي احتضنتهم وأنفقت عليهم في سابق الأيام إنفاق من لا يخشى الفقر- والتأقلم مع الظروف المستجدة وعدم التخلي عن الدور وترك مساحة من الفراغات لا يمكن شغلها، فالوطن اليوم بحاجة إلى الأقلام المؤثرة العميقة التي تتسم بالرأي المتزن لتدافع عن قضاياه وتتبنى مواقفه. من عهدة الراوي: يخلط البعض عند الحديث عن الإعلام التقليدي بين مستقبل الورق ومستقبل المؤسسات الصحافية التي تتخذ من الصحف الورقية منبراً وحيداً لها، فالورق وإن كان ولى زمنه إلا أنه ليس مصيراً للمؤسسات الصحافية التي تمتلك مرونة في التعاطي مع المستجدات وتستثمر الإعلام الجديد للخروج من بوتقة الوجبة الإعلامية سريعة التحضير والاستهلاك، والتي أصبح بإمكان أي شخص إعدادها وتقديمها، والتخلص من الأساليب العتيقة والأفكار البالية والعقليات التي لا يحسن أصحابها تهجئة حروف لوحة الكيبورد، فتسطيح الرأي في الصحف المحلية مشكلة بدأت بمغادرة الأقلام المؤثرة التي تنظر إلى الأحداث بعمق، في الوقت الذي نحن فيه بحاجة ماسة إلى الرأي الرصين والمؤثر، والقراءة المتخصصة للأحداث ومواكبة توجهات المرحلة. Sss15@hotmail.com @saedaltabaiti
مشاركة :