لا ينكر أحد من علماء النفس والاجتماع أن للكلمة أثرًا على النفس الإنسانية والواقع العملي، وأنه بإمكانها أن تبني وتهدم الأسر والمجتمعات، وبإمكانها أن ترفع معنويات الأفراد والجماعات إلى أعلى المستويات، وبإمكانها تحبيط وتثبيط الهمم إلى أدنى المستويات. لا ريب أن الكلمة الطيبة لها أثر إيجابي على النفوس، فالكثير من المجتمعات تطوّرت ونمت في كل المجالات بالكلمة الصادقة التي رافقها العمل الجاد، فالكلمات التي تقال من غير فعل في الواقع تكون كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماءً، فمن يتحدث كثيرًا ويطلق الكلمات الرنّانة لدغدغة مشاعر الناس، وفي المجال العملي لا تجد له وجودًا حقيقيًا، يكون وبالاً على مجتمعه.ـ الأب الذي يعطي أبناءه الوعود والإرشادات والنصائح في الأخلاق وينتقي الكلمات الراقية في إطلاقها، وفي واقعه يراه أولاده وبناته بعيدًا كل البعد عن كل ما كان يقوله لهم، لن يستمعوا إليه إطلاقًا، فالكلمة المؤثرة هي التي تأخذ بُعدًا عمليًا، فالكلمات الجامدة التي لا تتحرك إلا في حدود اللسان في أحايين كثيرة تكون نتائجها سلبية جدًا على الأسرة بكل مكوناتها.ـ اما الابن الذي يتجرّأ ويقول كلمة قبيحة لوالديه، ويجرح من خلالها مشاعرهما الإنسانية، تبقى تلك الكلمة بكل قباحتها عالقة في أذهانهما طوال حياتهما، ولن تزول إلا إذا قام الولد بعمل كبير تجاههما، فالابن الواعي هو الذي يتدارك أمره قبل فوات الأوان وانتقال أبويه إلى الرفيق الأعلى.ـ والمعلم إن لم يكون تربويًا في سلوكياته وألفاظه وتعاملاته ومعاملاته مع أقرانه من المعلمين ومع طلابه، ولم يكن أسوة حسنة بين طلبته في كل توجّهاته الأخلاقية والسلوكية، يكون مصيبة عظمى على التربية والتعليم، بكل ما تحمله هذه الكلمة من قساوة بالغة.ـ الطبيب إن لم يكن مخلصًا في مهنته الإنسانية، لن يكون تشخيصه للمرض دقيقًا، ولن يكون علاجه صحيحًا، ولن يسمع المريض كلمة طيبة واحدة لرفع معنوياته وتقوية إرادته في مواجهة المرض. بعض الأطباء -للأسف الشديد- يتحدثون مع مرضاهم بتعالٍ وكأنهم يمنّون عليهم بعلاجهم لهم، وكأن ما يقومون به ليس واجبًا عليهم تجاه المرضى.ـ والخطيب الذي يوعظ الناس ويرشدهم ويحثهم على فعل الخيرات وحب الآخرين والتعايش معهم بالحسنى في مختلف الأحوال والظروف، وهو في واقعه العملي يعمل خلاف ما يقول تمامًا، يكون سببًا في الانحراف والابتعاد عن الأخلاقيات السويّة.ـ والمسؤول لو يصرح للمجتمع بأمور تهمّه، وفي الواقع العملي يجده يناقض ما كان يقوله له تمامًا، في بعض الأحايين يسبب التباين بين قوله وفعله صدمة عنيفة للناس قد تودي بحياة بعضهم، وقد تصيب بعضهم بأمراض مزمنة، كارتفاع مستوى ضغظ الدم وارتفاع مستوى السكر في الدم، وغيرها من الأمراض النفسية والجسدية التي تنتج من التفكير الزائد في الدخل الشهري المحدود، وقلة الحلول والفرص التي تجعلهم يحسّنون من وضعهم الاقتصادي والمعيشي، فلو استخدموا كل العمليات الحسابية والقوانين والنظريات الرياضية لتقنين مصروفاتهم لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.فمثل هؤلاء الأفراد، وهم يقدرون بعشرات الآلاف في مجتمعنا البحريني، لا نلومهم إذا ما قضوا لياليهم في التفكير المعمّق في أحوالهم، هؤلاء قد يسألون أنفسهم مليون مرة كيف يستطيعون مجاراة ارتفاع الأسعار وغيرها من الإجراءات التي تحمّلهم أعباءً مالية إضافية، والتي يرونها في جل مشترياتهم؛ الأساسية والكمالية، وفي الكثير من الخدمات المهمة، وهم يعانون من قلة دخلهم الشهري وكثرة متطلباتهم الحياتية والمعيشية.والنائب الذي أعطى لأبناء دائرته الوعود تلو الوعود الخيالية في حملاته الانتخابية، ولما وصل إلى المجلس النيابي لم يفِ حتى بنسبة 5% منها، وراح يعتبر المقترحات برغبة التي قدمها في الدور التشريعي المنتهي إنجازًا كبيرًا له، وهو يعلم أن أبناء دائرته يدركون أنها ليست إنجازًا ولا هم يحزنون؛ لأنها غير ملزمة التنفيذ للجهات المعنية، وهي من الأدوات النيابية التي لا تحقق في أحايين كثيرة الأهداف المرجوّة للمواطنين؛ لأن بعضها لا تتناغم وحالة البلد الاقتصادية من قريب ولا من بعيد، وأنه استخدمها وهو يعلم ذلك، لكنه ظن أن الناس تنطلي عليهم مثل هذه الأمور، ونسي أو تناسى مستوى العلم الذي يتمتع به المواطن بمثل هذه القضايا.نأمل أن تكون كلماتنا التي نقولها في كل وقت وحين، لبعضنا بعضًا، خالية من التحبيط والتثبيط والتجريح والاستنقاص والاستهزاء والسخرية، والتسقيط والافتراء والزور والبهتان والقذف والتجني والفتنة، من أجل بناء مجتمع راقٍ في علاقاته الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية، وفي كل الجوانب الحياتية.] سلمان عبدالله
مشاركة :