هل تخضع إيران لسكين الضغوطات؟

  • 8/7/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

زار عدد من كبار المسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة مسقط سرا في صيف 2012، والتقوا دبلوماسيين إيرانيين في بداية سلسلة طويلة من المفاوضات التي جرت من خلف الستارة وبعيدا عن أعين الإعلام. من الناحية الرسمية، لم يكن من المفترض أن يحدث هذا الاجتماع في عُمان، وبحسب تقرير من مركز بروكنغز، انتهى الحوار السري إلى توفير بداية الاتفاق النووي التاريخي بين طهران وواشنطن وخمس قوى عالمية أخرى، فيما عرف باسم الاتفاقية النووية الشاملة التي وقعها باراك أوباما مع الإيرانيين فيما بعد. وهي المرة الأولى التي ينجح فيها المجتمع الدولي في إبطاء تقدم إيران المطرد نحو القدرة على صنع أسلحة نووية، ولكن بعد 7 سنوات، انسحبت إدارة ترمب في مايو 2018، وبدأت إيران مؤخرا في خرق قيود الاتفاق على أنشطتها النووية، وأخذت المخاوف تتصاعد من أن البلدين يسيران في طريق تصادم، متجهين نحو صراع عسكري أوسع وأكثر زعزعة للاستقرار. التفاوض الشرطي على الرغم من عناد إيران الدائم إلا أن مسؤوليها بدؤوا يتفاوضون الآن، وبدلا من استخدام القنوات الخلفية، فإنهم يفعلون ذلك على مرأى من الجميع. المسؤولون الإيرانيون، وعلى الأخص وزير الخارجية محمد جواد ظريف، يتطلعون إلى حل دبلوماسي مع واشنطن، ويبدو أن الهدف غير المعلن لاستفزازات الإيرانيين في الخليج هو الوصول إلى هذا الحل والجلوس مع الولايات المتحدة الأمريكية على طاولة المفاوضات، وباعتبار هذه الاستفزازات جزءا أساسيا من استراتيجيتها الجيدة في التفاوض الذي يعزز الإقناع بالخوف، وتشير الإشارات مجتمعة إلى أن الإيرانيين يجهزون أنفسهم للجلوس على طاولة المحادثات. نتائج مريرة بعد الثورة الإيرانية، أثارت التغطية الإعلامية للاتصالات الرسمية بين القادة الإيرانيين الجدد وكبار المسؤولين الأمريكيين احتجاجات غاضبة في طهران توجت بالاستيلاء على السفارة الأمريكية وأزمة الرهائن التي استمرت 444 يوما، وعلى مدى عقود، رفض الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي أي اقتراح لإجراء محادثات رسمية مع واشنطن. ومع ذلك، حتى مع نتائجه المريرة، فإن الصفقة النووية والاتصالات الثنائية المكثفة طوال السنوات الأخيرة لإدارة أوباما تركت بصمة على المشهد السياسي لإيران، أصبح الاتصال بواشنطن الآن طبيعيا في إيران لدرجة أن الاجتماع بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والسناتور الجمهوري الذي سعى للحصول على موافقة ترمب للقاء بالكاد يولد نظرة ثانية، قبل 20 عاما تم اعتبار مقابلة زعيم إيراني مع قناة أخبار أمريكية بمثابة تقدم مفاجئ، اليوم الأمر طبيعي! التفاوض بالسكين زار ظريف نيويورك مرتين في الأشهر الأخيرة، واجتمع مع ممثلين من وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية، وكان الأمر كأنه جولة علاقات عامة تؤكد أن إيران تختبر المياه مع إدارة ترمب. وبالطريقة الإيرانية المعتادة، تحدث هذه الحملة في الوقت نفسه الذي يرسل فيه قادة إيران إشارات قوية ضد القيام بأي شيء من هذا القبيل، لقد كان لحملة الضغط الأمريكية القصوى آثار كارثية على الاقتصاد الإيراني، والموقف الرسمي لإيران، كما أوضح خامنئي أن إيران لن تتفاوض بسكين على حلقها، لقد رفض قطعيا إمكانية التفاوض بشأن ما تعتبره طهران القدرات الدفاعية الأساسية للبلاد، مثل برنامج الصواريخ. حتى عندما زار رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي طهران الشهر الماضي عاد خالي الوفاض، مع رفض قاطع تزامن مع جولة جديدة من الهجمات بالوكالة على الشحن في الخليج، ولم تحترم إيران أي شيء، حيث كانت إحدى الشركات اليابانية التي هوجمت مملوكة لشركة يابانية. العناد والانكسار يصر المسؤولون الإيرانيون على أنهم قادرون على التغلب على الضغوط الأمريكية، لكن الحملة المنسقة لزيادة مستوى التهديد حتى في الوقت الذي يغازلون فيه مبادرات دبلوماسية تنم عن وعي في أعلى مستويات الثيوقراطية بأن البلاد لا تستطيع تحمل حصار اقتصادي أمريكي غير محدد. إن ظهور ظريف في وسائل الإعلام والاجتماعات الخاصة في الولايات المتحدة نقل رسالة مرنة وودية، قدم تحيات حذرة تجاه ترمب مع فريد زكريا من سي إن إن، مشيدا بقرار الرئيس الحكيم للغاية بإلغاء ضربة عسكرية قبل تنفيذها، بعد أن أسقطت طهران طائرة أمريكية بدون طيار الشهر الماضي. بعد فترة وجيزة من إعلان ظريف للمراسلين الأمريكيين عن إمكانية تبادل الأسرى، أطلقت السلطات الإيرانية بشكل غير متوقع نزار زكا، وهو رجل لبناني مقيم إقامة دائمة في الولايات المتحدة، بعد احتجاز دام أكثر من ثلاث سنوات بتهمة التجسس الزائفة. محادثات غير مشروطة كانت هناك تكهنات هادئة منذ أشهر حول إمكانات استنباط طريق دبلوماسي للخروج من المأزق الحالي في البلاد، فقد أصدر المنشقون المعروفون والسياسيون المعتدلون مؤخرا نداء لإجراء محادثات غير مشروطة، حتى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، المعروف بالتشدد، تبنى علانية دبلوماسية جديدة. لم يجد المراقبون الإيرانيون منذ فترة طويلة أنه ليس من المستغرب إرسال ظريف إلى نيويورك حتى مع تصاعد التوترات في الخليج العربي، ومع سلسلة من الهجمات على ناقلات النفط، وخط أنابيب النفط، وعديد من المنشآت المرتبطة بالولايات المتحدة في العراق، وإسقاط الطائرات بدون طيار واستيلاء إيران على ناقلة بريطانية أثناء عبورها الخليج. في حين أن بعض المحللين يرددون ما يقوله المسؤولون الإيرانيون، بلومهم الاقتتال الداخلي بين الفصائل، إلا أن تحذير ظريف وهو يبتسم لشبكة سي إن إن بأنه «في مثل هذا القدر الصغير من الماء، إذا كان لديك كثير من السفن الأجنبية.. ستحدث الحوادث»، يؤكد أن نهج المسار المزدوج الإيراني متعمد، نشر منسق للضغوط والإقناع لتعزيز مصالحها مع خدعة وطعنة، تنشر طهران الدبلوماسية والقوة بالترادف على أمل إخراج النظام من مستنقع محفوف بالمخاطر بشكل متزايد. خطة اللعب توفر «خطة اللعبة» فعالية أكبر من أي بديل آخر متوفر لطهران اليوم، لقد ثبت أن بقية العالم غير راغب أو غير قادر على التحايل على العقوبات الأمريكية أو تخفيف آثارها الاقتصادية. على الأقل، قد يؤدي تضخيم عضلاتها في ممر الطاقة الأكثر أهمية في العالم إلى تضخيم أسعار النفط، وتحسين النتيجة المحاصرة لطهران وتعقيد جاذبية ترمب لقاعدته المحلية بينما يبدأ حملته لإعادة انتخابه. وقد تؤدي التوترات المتصاعدة إلى تحفيز الطاقة الدبلوماسية من أوروبا وأصحاب المصلحة الآخرين للصفقة النووية، وتوفر صور ناقلات النفط المحترقة تحذيرا قويا لجيران إيران من العواقب المحتملة لمزيد من التصعيد. وتزيد الاحتكاكات المتزايدة من خطورة الأزمة على بقية العالم، في حين أن خروقات إيران المتزايدة للاتفاق النووي توفر لطهران ما تريد التبادل به إذا ما أتيحت لها فرصة للمساومة. ثمن المفاوضات على الرغم من أن طهران تملي حاليا إيقاع وشدة التصعيد، فإن ما يحدث بعد ذلك يعتمد إلى حد كبير على إدارة ترمب. لقد أعرب الرئيس الأمريكي منذ فترة طويلة عن ازدرائه لأي تدخل عسكري أمريكي مكلف وطويل الأمد في الشرق الأوسط، ونادى مرارا وتكرارا بإجراء حوار مباشر مع القادة الإيرانيين. لتحقيق ذلك، سيكون على واشنطن أن تكون مستعدة لتقديم تنازلات بشأن استراتيجية «أقصى قدر من الضغط»، فطهران مستعدة للتحدث، لكنها ستحتاج إلى تخفيف العقوبات كثمن للقبول. إيران مصممة على تغيير الوضع الراهن، لأنه الآن غير موات لمصالحها، ومن خلال تصعيد التوترات، يأمل الإيرانيون توسيع الأزمة، وأن يجدوا طريقهم للخروج من مجموعة من الظروف المريعة بشكل متزايد.

مشاركة :