جَمَال أَي عَمَل؛ يَكمُن فِي الهَندَسَة الإبدَاعيَّة، التي تَتمثَّل فِي التَّفَاصِيل، والشَّكل العَام للعَمَل، فمَثلاً، العَمليَّة الكِتَابيَّة هي عَمليَّة إبدَاعيَّة، تَهدف إلَى إنشَاء شَيء جَديد ومُختَلِف، أَو تَسليط الضّوء عَلَى فِكرَة، أَو مَوضوع مُعيَّن، وهَذه العَمليَّة لَهَا خَصَائِصهَا الإبدَاعيَّة؛ التي تَجذب القَارئ، للمُوَاصَلَة فِي القِرَاءَة.. فمَثلاً، إذَا كَانَت الصّورة التي بدَاخِل الكَاتِب، لَهَا عِبَارَات تَنبُع مِن ذَاتهِ، ويَرَاهَا كَمَا شَاء، ويَرسمهَا بالكَلِمَات، فإنْ رَآهَا القَارئ مِن خِلال كَلِمَاته، فقَد نَجَح الكَاتِب فِي إيصَال رَسَالَته..! وأَتذكَّر «نجيب محفوظ»؛ عِندَما رَأَى طِفلاً يَبيع الحلوَى؛ عِند إشَارة المرُور، فتَرجم الصّورة إلَى كَلِمَات، فكَتَب: (وأَحلَام الأَطفَال قِطعة حلوَى، وهَذا طَفل يَبيعُ حُلمه)..! سَأَلَني صَديقي: كَيف تَكتُب يَا «أحمد»، أَو تُؤلِّف كِتَاباً؟، قُلت: يَا عَزيزي، الكِتَابَة تَحتَاج إلَى أَطوَار فِي النّمو، فهِي كالنَّبَاتَات، التي تَحتَاج للمَاء والهَوَاء، وأَشعة الشَّمس.. وتَحتَاج -أَيضاً- إلَى القِرَاءَة الدَّائِمَة لأَكثَر مِن كَاتِب، والتَّنويع فِيهَا، حَتَّى لَا تَكون نُسخَة غَير مَقبولة؛ مِن أَحد الكُتَّاب..! وكَمَا قِيل: (إذَا أَرَدتَ أَن تَكتُب، فعَليكَ القِرَاءَة مَرَّتين).. والكَثير -ولله الحمد- يَملُك هَذه المَوهِبَة الجَميلَة -أَقصُد مَوهبة الكِتَابَة- ولَكن لَا يعطُوهَا حقَّها.. فتَضيع أَقلَامهم بَين الأَقلَام، لعَدم تَميُّز أسلُوبهم، ولعَدَم التفرُّد بأسلُوب يَجذب القُرَّاء..! إنَّ الشّروع فِي كِتَابة وتَأليف كِتَاب، لَيس بالأَمر البَسيط، الذي يَظنّه البَعض، فالكِتَابَة -بحَدِّ ذَاتِهَا- هي تَعبير عَن خِبرَاتك وقِرَاءَاتك، وكُلّ مَا تَعرفه..! فَلَكَ أَنْ تَتخيَّل، عِندَمَا تُريد بِنَاء عِمَارَة.. مَا الذي تَحتَاج إليهِ فِي بَادئ الأَمر؟، بكُلِّ تَأكيد؛ تَحتَاج إلَى عَمل تَصميم مُجمَل للعِمَارَة، هل تُريدها كَبيرَة أَم صَغيرَة، وكَيف يَكون شَكلهَا مِن الدَّاخِل ومِن الخَارِج؟.. هَذَا فَقَط لتَكوين الصّورة المُجمَلَة دُون تَفَاصيل.. كَذلِك الكِتَاب، يَجب أَنْ يَتم تَحديد صُورة مُجمَلَة؛ عَن فِكرة هَذا الكِتَاب، والهَدَف الذي يَرمي إليهِ، والمَوضُوع الذي ستَكتب عَنه، ومَا حَجم الكِتَاب والمَادَة العِلميَّة فِيهِ..! هَذه الخُطوَة هِي الأَهَم، والتي سيَترتَّب عَليهَا بَعض الخُطوَات، مِنهَا: إنجَاز هَذه المَرحَلَة ببَعض مِن العَصف الذِّهني.. أَمَّا الخُطوَة الثَّانية: فهي التَّخطيط، وتَقسيم الكِتَاب إلَى فصُول، وهُنَا ستَبدَأ التَّخطيط لكِتَابِك؛ عَلَى أَسَاس رُؤية وَاضِحَة، نَاتِجَة مِن الخُطوَة السَّابِقَة.. والخُطوَة الثَّالِثَة: البدء بالعَمَل، والالتزَام بالجَدوَل الزَّمني الذي حَدَّدتَه لإنجَاز هَذا العَمَل. حَسنًا.. مَاذَا بَقى؟! بَقَي القَول: إنَّ البَحثَ عَن فِكرَةٍ مُميَّزة؛ أَمرٌ مُهم، لَكن فِي التَّأليف الإبدَاعي، تَكمُن ذروة جَمَال قَلَم الكَاتِب، بالتَّنفيذ الجيِّد، والدِّرَاسَة والقِرَاءَة الفَعَّالَة، والإحسَاس العَالي، الذي سيَصل إلَى القلُوب بسهُولَة.. وأَنَّ التَّركيز عَلَى حُسن التَّنفيذ، والعَمَل عَلَى إيصَال الانطبَاع المُنَاسِب، سيُؤدِّي -بالتَّأكيد- إلَى نَجَاح العَمَل.. وكَمَا يَقول «توماس أديسون»: (النِّقَاش يَصنَع الرَّجُل المُستَعد، والكِتَابَة تَصنَع الرَّجُل الدَّقيق).
مشاركة :