في خطوة وصفها البعض بالتاريخية، وبعد أحداث احتجاجات شعبية في الأشهر الأخيرة، أنجز السودان الاتفاق على تشكيل «هيئة حكم انتقالية» في 18 أغسطس الحالي وهي خطوة نوعية قياسا بنمط الحكم السابق الذي استمر 30 عاما. أخيرا وبعد عوائق مختلفة وقع المجلس العسكري الحاكم وقادة الاحتجاج 4 أغسطس الحالي بالأحرف الأولى «الإعلان الدستوري» الذي جاء بعد «الإعلان السياسي» المبرم سابقا، وبذلك ينفتح الباب أمام (اتفاق سوداني شامل) حول «حكم مدني» يعقبه إعلان أسماء مجلس السيادة واسم رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء مع نهاية هذا الشهر. * إن قادة قوى الحرية والتغيير الذين قادوا الاحتجاجات الشعبية توافقوا أخيرا مع المجلس العسكري الحاكم بوساطة إثيوبيا والاتحاد الإفريقي ليتجاوز السودان باتفاقهم أزمة استثنائية في تاريخ السودان، كادت تدخله إلى الفوضى الشاملة. والسودان الذي يعتبر سلة الغذاء العالمية كان شعبه يعاني من تفاقم الأزمات المعيشية والغذائية حتى تضاعف سعر الخبز إلى 3 أضعاف، ما أثار شعلة الاحتجاجات التي بدأت في 19 ديسمبر الماضي لتتحول إلى حركة احتجاج على نظام البشير الذي تم اعتقاله في 11 أبريل الماضي وستبدأ محاكمته هذا الشهر أيضا، وهي حركة الاحتجاج التي سقط في خضمها أكثر من 250 شخصا معظمهم قتل أثناء تفريق اعتصام أمام مقر الجيش في يونيو الماضي. { ما أراده الشعب من احتجاجاته هو الوصول إلى حكم مدني بدأت خطواته اليوم مع إعلان المجلس السيادي من ستة مدنيين وخمسة عسكريين ليكون بداية حكم ديمقراطي يصل بالسودان إلى مرحلة الهدوء والسلام ومعالجة اقتصاده المترنح رغم الثروات الطبيعية الهائلة! وإلى حل النزاعات مع المجموعات المسلحة الذين توزعوا من «دارفور» إلى «كردفان» و«النيل الأبيض» دفاعا عن إثنيات تحمل مظلومية التهميش، فجاء الإعلان الدستوري ليشمل الحركات المتمردة والوصول إلى حل سلمي معهم ليتم وضع النقاط على الحروف التائهة! { إنها الخطوة الأولى الراسخة في الطريق الصحيح، ولهذا جاء الترحيب والدعم من الشعب السوداني نفسه بكل قواه، مثلما جاء من الدول العربية كمصر والسعودية والبحرين وغيرها، فالكل يطمح في النهاية إلى أن ينعم السودان بالأمن والاستقرار وألا ينفرط عقده أكثر في ظل المخططات الشريرة التي تتربص بكل دول المنطقة العربية! وأن يحظى الشعب السوداني بقيادة حكم تحقق له مطالبه العادلة من أمن وحرية ووضع اقتصادي قابل للتطور ووضع معيشي يتناسب مع الثروات الطبيعية التي تحتاج إلى إدارة نزيهة لا أكثر! { هي انتقالة نوعية نتمنى لها الاستمرار وبداية لإخراج السودان من لائحة داعمي الإرهاب أيضا التي أدرج عليها في 1993 وعانى السودان بسبب هذا الإدراج الكثير من الأزمات والضائقات الاقتصادية والتجارية وبما يتعلق بالاستثمار وتطوير البنية التحتية والتنمية. إنه النور الذي يطل بعد السير في نفق مظلم طويل، والمهم اليوم هو (تطبيق الاتفاقات) وتكاتف قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري الحاكم خلال السنوات القادمة، فهو بر الأمان الوحيد المتاح اليوم أمام كل السودانيين بعد معاناة العقود الطويلة وبعد أن أوشك السودان بلدا وشعبا على الانجرار نحو هاوية الفوضى.
مشاركة :