المرض الغامض يزداد غُموضا

  • 8/8/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مازال الغموض يحوم حول الأعراض الغريبة والفريدة من نوعها التي لم يشهدها الأطباء من قبل ولم يسمع عنها أحد والتي عانى منها بعض الدبلوماسيين الأمريكيين الذين كانوا يعملون موظفين في السفارات الأمريكية في هافانا بكوبا وفي الصين؛ فالأعراض التي ظهرت عليهم واشتكوا منها منذ نهاية عام 2016 حتى يومنا هذا تتلخص في سماع أصواتٍ غير عادية مرتفعة وذبذبات مؤذية وقوية، والإحساس بالصداع المزمن، والشعور بالتعب والإرهاق والغثيان، والإصابة بمشكلات في الرؤية، وخلل في التوازن، واضطرابات في النوم. ومن أجل سبر غور هذه الحالة المرضية والظاهرة الصحية الغامضة والغريبة تدخلت وكالة الاستخبارات الفيدرالية (إف بي آي) والسلطات الصحية المعنية، وبالتحديد في مركز حوادث المخ بكلية بريلمان للطب (Perelman School of Medicine) في جامعة بنسلفانيا. ومن هنا بدأت تظهر عدة نظريات لتفسير هذه الأعراض المرضية المعقدة، أولها نظرية المؤامرة المتعلقة بتعرض الوفد الأمريكي في كوبا والصين لعمل عدائي متمثل في هجوم «صوتي»، أو موجات صوتية مُوجهة لإحداث الضرر الصحي المطلوب، وذلك باستخدام أسلحة خاصة تنبعث منها موجات في مجال «الميكروويف»، فتُوقع وتسبب هذه الحالة الصحية التي نزلت على الأمريكيين. وفي المقابل هناك نظريات أفادت بأن هذه الأعراض غير واقعية ونفسية نتيجة ظروف العمل القاسية والشديدة، والضغوط النفسية التي يتعرض لها عادة الدبلوماسيون في مثل هذه البلاد. كذلك هناك دراسة نُشرت في 20 مارس 2018 في مجلة جمعية الأطباء الأمريكيين حول «بيانات عصبية للمسؤولين الحكوميين الذين أفادوا بتعرضهم لظواهر صوتية وحسية في كوبا»، إذ تم فحص وتقييم 21 دبلوماسيا أمريكيا كانوا يعملون في كوبا، وأشارت الدراسة إلى أن شكوى هؤلاء العاملين في السفارة الأمريكية في كوبا لها علاقة بفقدان الذاكرة، وضعف القدرة على التركيز، وفقدان التوازن البدني، ومشكلات في الرؤية، والصداع وعدم القدرة على النوم، وفسرت الدراسة هذه الحالة بتعرض هؤلاء الأفراد لخلل في شبكات المخ، وأفادت بأن هذه الأعراض تُشبه من تعرض لحادثة ارتجاج في المخ جراء حادثة سيارة، أو السقوط من مكان مرتفع، أو حدوث انفجار، ولكن الدراسة لم تحدد مصدر وأسباب هذه الحالة المرضية. وهناك تفسير طريف لهذه الحالة المرضية الغامضة نقلته صحيفة يو إس أيه توداي في السابع من يناير من العام الحالي، إذ أفاد تقرير الصحيفة بأن بعض العلماء يعتقدون أن هناك «صراصير» (crickets)، تُصدر أصواتا عالية وشديدة الحدة تُشبه إلى حد كبير الأصوات التي سمعها الوفد الدبلوماسي الأمريكي في كوبا، ويعرف علميا باسم (Anurogryllus celerinictus)، علما أن وزارة الخارجية الأمريكية نشرت لوسائل الإعلام في عام 2017 تسجيلاً صوتيا لما سمعه فعليا الوفد الأمريكي. وهذا النوع من الصراصير ذي الذيل القصير (Indies short-tailed cricket) موجود في جاميكا وكوبا. وقد قام هؤلاء العلماء بعرض نتائج دراستهم في الرابع من يناير من العام الحالي في المؤتمر السنوي لجمعية الأحياء المقارنة والمتكاملة. وآخر تفسير لهذه الظاهرة الصحية الغريبة، وحتما لن يكون الأخير، تم اكتشافه مؤخرا من خلال فحص الأعصاب وإجراء تقييم وتحليل شامل لبناء وتركيبة كل أجزاء المخ من خلال أخذ صور محددة للمخ باستخدام جهاز الرنين المغنطيسي المعروف (إم آر آي)، إذ نُشرت تفاصيل نتائج الدراسة في 23 يوليو من العام الحالي في مجلة جمعية الأطباء الأمريكيين تحت عنوان: «اكتشافات بعد التحليل العصبي لموظفي الحكومة في كوبا». فقد قامت هذه الدراسة بمقارنة حالة أربعين من الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يعانون بعض الأعراض المرضية التي تحدثنا عنها مع 48 أمريكيا أصحاء من غير المصابين، وأفاد الباحثون بوجود فروقٍ جوهرية بين العينتين في المخ من ناحية حجم الجزء الكلي الأبيض، وحجم المنطقة البيضاء والرمادية، والبناء الميكروسكوبي للمخ، إضافة إلى اختلافات في الجزء المختص بالسمع والبصر. فعلى سبيل المثال، معدل الحجم الكلي للمادة البيضاء كان أصغر في المرضى مقارنة بالأصحاء، فالمرضى كان الحجم 542.22 سنتيمترا مكعبا والأصحاء 569.61، أي أصغر بنحو 5%، كذلك كانت هناك اختلافات وفروق بين عينة المرضى والأصحاء بالنسبة إلى حجم المادة البيضاء والرمادية. فهذا الاكتشاف الحديث يُقدم نظرية أخرى جديدة عن هذه الحالة المرضية الغامضة، فتفيد بأن هناك أمرا ما لا يعرفه أحد حتى الآن قد حدث لهؤلاء الذين يشتكون من ظهور الأعراض الغريبة المفاجئة عليهم، ما أدى إلى وقوع بعض التغييرات في بعض أجزاء المخ، وانعكس مباشرة على الوظائف المحددة التي تقوم بها هذه الأجزاء من المخ. ولكن هذه الدراسة عجزت عن إعطاء أي تفسير علمي دقيق للمصدر، أو السبب الذي أدى إلى انكشاف هذه التغييرات في المخ، أي أن هذه الظاهرة والحالة المرضية مازالت غامضة منذ أن ظهرت على السطح أمام الملأ، ومازالت الدراسات والأبحاث مستمرة لفك أسرار هذا اللغز المحير.

مشاركة :