تصر سيدات الأعمال في أفغانستان على أنه لا عودة للوراء إلى أيام القمع التي شهدنها في ظل حكم حركة طالبان، وأن ما حققته المرأة من تقدم في السنوات الثماني عشرة الماضية لن يحيد عن مساره. وترجح المحادثات الجارية بين الحركة الإسلامية المتشددة والولايات المتحدة حول إنهاء الحرب أن يسمح أي اتفاق يتم التوصل إليه بعودة طالبان للقيام بدور ما في الحكم. غير أن النساء اللائي حققن إنجازات في مجال الأعمال منذ الإطاحة بحركة طالبان في العام 2001 يقلن إنه لا يمكن تجريدهن مما تحقق من إنجازات. وقالت كاملة صديقي (41 عاما) وهي رائدة أعمال تشارك في مشروعات من بينها أول تطبيق لسيارات الأجرة في أفغانستان باسم (كاويان كابز) “لا أعتقد أن الأفغانيات سيعدن إلى الوراء أبدا”. وتدرك كاملة، التي كانت في الثامنة عشرة من عمرها عندما سيطرت حركة طالبان على كابول في 1996، تمام الإدراك كيف يمكن خنق الطموح. وأضافت “كانت تفكيرنا كلنا أثناء تلك الفترة في الدراسة والتعلم وكان التعليم أهم شيء بالنسبة لنا، لكن حياتنا تغيرت”. وكانت طالبان قد منعت النساء من التعلم والعمل وكانت تلزمهن بألا يغادرن بيوتهن إلا بصحبة محرم. وبين عشية وضحاها اختفت النساء خلف البرقع واقتصرت أنشطتهن على العمل داخل بيوتهن. وقالت كاملة إنها بدأت مع شقيقتيها نشاط حياكة على نطاق ضيق وإنه حقق ازدهارا. وبعد الإطاحة بطالبان عملت مع منظمات دولية قبل أن تبدأ أعمالها الخاصة. تحاول طالبان إظهار أنها قطعت مع أيام الوحشية التي أظهرتها في التسعينات عندما حظرت الموسيقى وتعليم البنات وركزت مساعي المساعدات الدولية التي وصلت مع القوات الأجنبية على تعليم البنات وتمكين المرأة لكن ثمة مخاوف من أن يتبدد هذا التقدم مع انسحاب القوات الأميركية بالكامل وإنهاء الدور الدولي وعودة حركة طالبان إلى الظهور على الساحة السياسية في أفغانستان. وتُصور حركة طالبان نفسها في الآونة الأخيرة على أنها أكثر اعتدالا وتقول إن الإسلام يمنح المرأة حقوقا في مجالات مثل الأعمال والملكية والميراث والتعليم والعمل واختيار شريك الحياة والأمن. وفي الوقت نفسه حذرت الحركة من الاختلاط بين الجنسين ونددت بمن ترى أنهم يشجعون المرأة على تحدي الأعراف والتقاليد. وقالت رائدة الأعمال نرجس عزيز شاهي (29 عاما) إنه ثمة فرصة ألا تقيد طالبان نشاط النساء في قطاع الأعمال، لكنها أكدت أنها ستحارب هذا الاتجاه إذا ما حاولت طالبان ذلك. ومن مشروعاتها مشروع اسمه “آي كافيه” افتتحته عام 2017، وهو واحد من عدة مقاه تتيح تجمع الشبان والشابات للدردشة والدراسة. وقالت “إذا جاءت طالبان بأفكارها القديمة فلن يكون بالطبع مسموحا للنساء بالعمل وهذا سيكون غير مقبول”. وأضافت “لن أسمح بإغلاق مقهاي وتجاهل إنجازاتي على مدى عامين.. سأحارب… نريد السلام بشرط حفظ حقوق المرأة”.وقالت منيجة وفيق نائبة رئيسة غرفة التجارة والصناعة للسيدات إن الغرفة تضم 12 ألفا من العضوات يعملن في قطاعات متعددة منها الإعلام ومنها تكنولوجيا المعلومات والمدارس الخاصة والعيادات والأشغال اليدوية. وأضافت أن استثماراتهن تزيد على 70 مليون دولار وصادراتهن تدر ما يصل إلى 800 مليون دولار سنويا. وقالت إنها تثير قضية حقوق المرأة في كل فرصة مع اقتراب احتمالات التغير السياسي، وإنها متفائلة. ويخشى أفغان كثيرون ألا يتكبّد الأميركيون الذين هم على عجلة من أمرهم لمغادرة البلد بعد حرب دامت حوالي 18 عاما، عناء الحصول على ضمانات متينة لحماية حرية التعبير وحقوق النساء والأقليات. وفي حين منع مسلحو طالبان كل النساء والفتيات من التعليم خلال فترة حكمهم بين 1996 و2001، فإنهم يسمحون الآن للفتيات بالالتحاق بالمدارس غير أن الأمر متباين نوعا ما عبر مناطق مختلفة من البلاد. وتحاول طالبان إظهار أنها قطعت مع أيام الوحشية التي أظهرتها في التسعينات عندما حظرت الموسيقى ومنعت تعليم البنات ونفذت إعدامات علنية في ملعب كرة القدم في كابول، تزامنا مع التحركات المتزايدة نحو السلام. وبينما تتكثف محادثات السلام مع جولة جديدة من المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة في الدوحة، يقدم الذين يعيشون أو عاشوا في معاقل الحركة هذه الصورة من طريقة حكم المتمردين، بعد أكثر من 17 عاما على طردهم من السلطة (1996-2001) بعد الغزو الأميركي. وهم يرسمون بذلك صورة لما يمكن أن تكون عليه الحياة في أفغانستان إذا منحهم انسحاب للقوات الأميركية حرية التطبيق الصارم للشريعة كما يرونها. النساء اللائي حققن إنجازات في مجال الأعمال منذ الإطاحة بحركة طالبان في العام 2001 يقلن إنه لا يمكن تجريدهن مما تحقق من إنجازات وتؤكد أشلي جاكسون الباحثة في مركز “أوفرسيز ديفلوبمنت أينستيتيوت” أنه حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة على ما يبدو، تفرض طالبان تفسيرها الخاص للشريعة. وهي تحل كل النزاعات طبقا لذلك من الطلاق إلى القتل، بعيدا عن قانون الأحوال المدنية وقانون العقوبات الأفغاني حيث الأحكام قاسية وتصدر بسرعة، من بتر عضو حدّا للسرقة أو شنق سجين على جانب طريق كتحذير. وتقول هيذر بار الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش” غير الحكومية إن طالبان تسمح في بعض الأماكن بتعليم البنات “لكن للمرحلة الابتدائية فقط” وفي إطار صارم من عدم الاختلاط بين الجنسين، غير إن الباحثة ترى أنه من “السخف والخطأ” استنتاج أنهم غيروا مقاربتهم حيال النساء. وأضافت أن “عددا كبيرا من الرجال يؤكدون أن اتفاقا مع طالبان سيكون مقبولا بالنسبة للنساء، النساء هن من يعرفن إن كان ذلك مقبولا لديهن أم لا، لكن هل هناك من يصغي إليهن؟”.
مشاركة :