تخيف سيطرة طالبان على مناطق واسعة في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي سيدات الأعمال الأفغانيات من عودتهم إلى الحكم، ما يمثل تهديدا لهن. ورغم أنّ المتشددين أكدوا على أنهم تغيروا، إلا أنهم لم يقدموا تفاصيل بشأن ما يعتزمون القيام به، ما أثار الشكوك لدى العديد من النساء. وخلال حكم طالبان، مُنِعت الغالبية من النساء من الدراسة والعمل ومغادرة المنازل دون محرم وطُلب منهن تغطية أجسادهن ووجوههن ببرقع. كابول – مع تقدم حركة طالبان بسرعة في أنحاء أفغانستان، تشعر المصممة مارزيا حفيزي بالقلق بشأن استمرار عملها في مجال الأزياء والمكاسب التي حققتها النساء في السنوات العشرين الماضية. وافتتحت حفيزي، البالغة من العمر 29 عاما، متجر الملابس الخاص بها في العاصمة كابول في 2018، محققة حلما طال أمده بأن تصبح سيدة أعمال في بلدها المحافظ الذي يسيطر عليه الرجال، وهو إنجاز لم يكن من الممكن تصوره خلال حكم طالبان من 1996 إلى 2001. وقالت حفيزي “إذا عادت طالبان إلى السلطة وفرضت عقليتها القديمة المظلمة، فقد أضطر إلى المغادرة. ينصحني جميع أصدقائي وعائلتي بمغادرة البلاد. ولكن تصميمي على تعزيز الأعمال التجارية النسائية، وخلق فرص عمل لهن، ورؤية أفغانستان التي تعتمد على نفسها تبقيني هنا حيث أناضل من أجل البقاء”. الجلد والرجم فوزية كوفي: سنبذل قصارى جهدنا للحفاظ على وجود المرأة في المجتمع وفي الحياة السياسية والاجتماعية فوزية كوفي: سنبذل قصارى جهدنا للحفاظ على وجود المرأة في المجتمع وفي الحياة السياسية والاجتماعية فرضت طالبان تفسيرا صارما للشريعة الإسلامية، يشمل الجلد العلني والرجم حتى أطاح بها القصف الأميركي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر. ومع استكمال القوات الأجنبية التي تقودها الولايات المتحدة انسحابها، حققت طالبان مكاسب سريعة على الأرض، مما أثار مخاوف بين النساء من التراجع عن حقوقهن، من التعليم والعمل إلى حرية الحركة. فخلال حكم طالبان، طُلب من النساء تغطية أجسادهن ووجوههن ببرقع، ومُنِعن من الدراسة أو العمل أو مغادرة المنزل دون محرم. ويقول المتشددون إنهم تغيروا، وأن الإسلام يمنح المرأة حقوقا في الأعمال التجارية والعمل والميراث والتعليم، لكنهم لم يقدموا تفاصيل، قائلين فقط إن هذا سيتقرر وفقا للشريعة الإسلامية، مما أثار الشكوك لدى العديد من النساء. وتعهدت الحكومة بعدم التنازل عن حقوق المرأة مقابل السلام لكن المحادثات بين طالبان والساسة الأفغان فشلت في إحراز تقدم. وقد توقع محللو مجلس الاستخبارات القومي الأميركي خسائر للنساء، حتى دون فوز طالبان، وعزا مكاسب النساء الأخيرة إلى الضغط الخارجي، وليس الدعم المحلي. وكانت فوزية كوفي إحدى المفاوضات القلائل في محادثات السلام بين السياسيين الأفغان (الذين تعهدوا بعدم المساومة على حقوق المرأة) وطالبان. وقالت كوفي التي نجت من محاولتي اغتيال إن “المقاومة التي تتمتع بها نساء أفغانستان لن تعود إلى نقطة الصفر. سنبذل قصارى جهدنا للحفاظ على وجود المرأة في المجتمع وفي الحياة السياسية والاجتماعية.. لن نعود إلى الماضي المظلم”. وخطت النساء خطوات كبيرة خلال العقدين الماضيين، حيث أنهت أعداد متزايدة تعليمها وعملت في مناصب كانت حكرا على الرجال، بما في ذلك السياسة والإعلام والقضاء والضيافة وتكنولوجيا المعلومات. وفي مدن مثل كابول وهرات ومزار شريف، يمكن رؤية الشابات يمشين بحرية، مستخدمات هواتفهن الذكية، وهن يرتدين ملابس غربية ويختلطن بالرجال في المقاهي ومراكز التسوق. كما عيّن الرئيس أشرف غني نساء نائبات للمحافظات ومنحهن مناصب وزارية. وتشغل النساء 27 في المئة من مقاعد مجلس النواب بالبرلمان وهو ما يتجاوز المعدل العالمي البالغ 25 في المئة، وفقا للاتحاد البرلماني الدولي. وتمتلك النساء ما يقرب من 60 ألف مؤسسة، معظمها في كابول، بما في ذلك المطاعم والصالونات ومحلات الحرف اليدوية، وفقا لغرفة تجارة وصناعة المرأة الأفغانية. وقالت النساء اللواتي تحدثن إلى مؤسسة تومسون رويترز إنهن قطعن شوطا طويلا بحيث لا يمكن سلبهن إنجازاتهن. وقالت نيلوفر أيوبي، 28 سنة، التي تدير شركة تصميم داخلي، ماريا كلوثينغ، التي تحظى بشعبية بين النخبة في كابول “مهما كانت الظروف، لن أتخلى عن عملي. إذا وصلت طالبان إلى السلطة، فسيتعين عليها إما قتلي أو السماح لي بمواصلة عملي”. وفي المناطق الريفية، حيث تسيطر العائلات المحافظة والإسلاميون المتطرفون، لا تزال معظم النساء يرتدين البرقع ولا يغادرن المنزل إلا لزيارات المستشفى والأسرة، ويستمر بيع الفتيات الصغيرات كعرائس لكبار السن من الرجال. وقال نظام الدين، رئيس منظمة السلام وحقوق الإنسان، “هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتوسيع الحقوق الأساسية للصحة والتعليم لتشمل النساء في المناطق الريفية، ليس فقط المناطق التي تسيطر عليها طالبان، ولكن جميع البلدات والقرى النائية. ما زال الناس متخلفين كثيرا من حيث التنمية والخدمات، حتى بالمقارنة مع كابول، ناهيك عن معايير دول المنطقة”. وقالت ماسوما جعفري، 23 سنة، التي تبيع المجوهرات والمكياج في كابول، إنها تعرف الثمن الذي ستدفعه النساء إذا استولى المتشددون على السلطة. وتابعت “أتيت من غور حيث رجمت طالبان العديد من النساء حتى الموت في الماضي. لكن انظر إلي، أنا أرمز للمقاومة”. وغور هي مقاطعة في الغرب حيث أجبرت طالبان الشهر الماضي القوات الأفغانية على الانسحاب. وقالت جعفري وهي تعدل الحجاب الذي يغطي رأسها “نأمل وندعو الله ألا يعود عهد طالبان المظلم أبدا”. إنجازات تحققت الأفغانيات اقتحمن مجالات مختلفة الأفغانيات اقتحمن مجالات مختلفة تقول النساء اللواتي حققن إنجازات في مجال الأعمال منذ الإطاحة بحركة طالبان في العام 2001 إنه لا يمكن تجريدهن مما تحقق من إنجازات. وقالت كاملة صديقي (41 عاما) وهي رائدة أعمال تشارك في مشروعات من بينها أول تطبيق لسيارات الأجرة في أفغانستان باسم (كاويانكابز) “لا أعتقد أن الأفغانيات سيعدن للوراء أبدا”. وتدرك كاملة، التي كانت في الثامنة عشرة من عمرها عندما سيطرت حركة طالبان على كابول في العام 1996، تمام الإدراك كيف يمكن خنق الطموح. وأضافت “كانت فترة فكرنا كلنا فيها في الدراسة والتعلم وكان التعليم أهم شيء لنا، لكن حياتنا تغيرت”. وكانت طالبان قد منعت النساء من التعلم والعمل وكانت تلزمهن بألا يغادرن بيوتهن إلا بصحبة محرم. وبين عشية وضحاها اختفت النساء خلف البرقع واقتصرت أنشطتهن على العمل داخل بيوتهن. وقالت كاملة إنها بدأت مع شقيقتيها نشاط حياكة على نطاق ضيق وإنه حقق ازدهارا. وبعد الإطاحة بطالبان عملت مع منظمات دولية قبل أن تبدأ أعمالها الخاصة. وركزت مساعي المساعدات الدولية التي وصلت مع القوات الأجنبية على تعليم البنات وتمكينها لكن ثمة مخاوف من أن يتبدد هذا التقدم مع انسحاب القوات الأميركية بالكامل وإنهاء الدور الدولي وعودة حركة طالبان إلى الظهور على الساحة السياسية في أفغانستان. وتُصور حركة طالبان نفسها في الآونة الأخيرة على أنها أكثر اعتدالا وتقول إن الإسلام يمنح المرأة حقوقا في مجالات مثل الأعمال والتملك والميراث والتعليم والعمل واختيار شريك الحياة والأمن. وفي الوقت نفسه حذرت الحركة من الاختلاط بين الجنسين ونددت بمن ترى أنهم يشجعون المرأة على تحدي الأعراف والتقاليد. وقالت رائدة الأعمال نرجس عزيز شاهي (29 عاما) إن ثمة فرصة ألا تقيد طالبان نشاط النساء في قطاع الأعمال، لكنها أكدت أنها ستحارب هذا الاتجاه إذا ما حاولت طالبان ذلك. ومن مشروعاتها مشروع اسمه “آي كافيه” افتتحته عام 2017، وهو واحد من عدة مقاه تتيح تجمع الشبان والشابات للدردشة والدراسة. وقالت “إذا جاءت طالبان بأفكارها القديمة فلن يكون بالطبع مسموحا للنساء بالعمل وهذا سيكون غير مقبول”. وأضافت “لن أسمح بإغلاق مقهاي وتجاهل إنجازاتي على مدى عامين. سأحارب”. وتابعت “نريد السلام بشرط حفظ حقوق المرأة”. وقالت منيجة وفيق نائبة رئيسة غرفة التجارة والصناعة للسيدات إن الغرفة تضم 12 ألفا من العضوات يعملن في قطاعات متعددة منها الإعلام ومنها تكنولوجيا المعلومات والمدارس الخاصة والعيادات والأشغال اليدوية. وأضافت أن استثماراتهن تزيد على 70 مليون دولار وصادراتهن تدر ما يصل إلى 800 مليون دولار سنويا. وقالت إنها تثير قضية حقوق المرأة في كل فرصة مع اقتراب احتمالات التغير السياسي، وإنها متفائلة. جرائم مرتكبة 87 في المئة من الأفغانيات يقلن إنهن تعرضن لعنف جسدي أو جنسي أو نفسي أو أرغمن على الزواج 87 في المئة من الأفغانيات يقلن إنهن تعرضن لعنف جسدي أو جنسي أو نفسي أو أرغمن على الزواج تفيد تقارير بجرائم ترتكب بحق النساء في أفغانستان خصوصا في الأرياف حيث تسود التقاليد. وتقول منظمة “أوكسفام” غير الحكومية إن 87 في المئة من الأفغانيات يقلن إنهن تعرضن لعنف جسدي أو جنسي أو نفسي أو أرغمن على الزواج. في المقابل، يلاحظ تقدم ملحوظ في المدن الكبرى حيث تأثير التحالف الأطلسي الموجود منذ أواخر 2001 ملموس بشكل أكبر. إلا أن هذا التقدم ليس منتشرا على نطاق واسع وذلك بسبب ازدواجية سياسة الحكومة التي تتبنى قضية النساء “للاستمرار بالحصول” على مساعدات دولية بينما تنصاع “عمليا” لمطالب “المتطرفين”، بحسب المنظمات الدولية. ويخشى عدد كبير من المنظمات غير الحكومية أن تكون حقوق النساء كبش الفداء في حال عودة حركة طالبان المحتملة إلى الحكم. ومع تصاعد وتيرة المحادثات الرامية لإنهاء حرب أفغانستان الطويلة تخشى النساء من أمثال روشان من عودة عقارب الساعة إلى الوراء وفقدان ما تحقق بشق الأنفس من حريات منذ أطاحت قوات أفغانية تدعمها باكستان بطالبان عام 2001 وتخشين من تهميش أصواتهن. وقالت إحدى معاونات رولا غني زوجة الرئيس الأفغاني إن السيدة الأولى أطلقت إشارة البدء لإجراء مسح للنساء في 34 إقليما وذلك في مسعى لرفع أصواتهن في العملية السلمية على أن يصدر تقرير يلخص آراءهن في فبراير المقبل. وأضافت “الحرب بدأها الرجال وسينهيها الرجال. لكن النساء والأطفال هم الذين يتحملون أقصى المعاناة ولهم الحق في تحديد شكل السلام”. وفي الحرب الدائرة منذ قرابة عقدين كان لكل من طرفيها دوره في معاناة النساء. ففي العام الماضي أبدت الأمم المتحدة انزعاجها من تزايد لجوء القوات الأميركية والأفغانية للضربات الجوية الأمر الذي تسبب في تزايد أعداد القتلى من النساء والأطفال. لم تصبح أفغانستان بعد مكانا تسهل فيه حياة المرأة إذ يقول دعاة حقوق المساواة بين الجنسين إن الفتيات مازلن يجبرن على الزواج وينتشر العنف الأسري كما أن معدلات وفيات الأمهات مرتفعة في مختلف أنحاء البلاد لاسيما في المناطق الريفية. غير أن الخروج للحياة العامة أصبح أيسر من ذي قبل خاصة في المدن مثل العاصمة كابول حيث تعمل نساء كثيرات خارج البيت كما أن أكثر من ربع أعضاء البرلمان من النساء. إلا أن نائبات في البرلمان وبعض الدبلوماسيين الأجانب يخشون من تراجع الاهتمام بالمساواة بين الجنسين في أي اتفاق للسلام في ضوء التركيز الدولي الشديد على إنهاء القتال والقضاء على احتمال أن تصبح البلاد مأوى للمتطرفين يشنون منه هجماتهم في الخارج. وقال دبلوماسي غربي كبير في كابول تموّل بلاده مشروعات ترمي لتمكين المرأة “ذلك هو الحد. والسؤال هو إلى أي مدى سيقبلون تدهور وضع النساء في تلك العملية. ربما يحدث بعض التراجع. لكن المأمول ألا نعود إلى نقطة البداية”. خلال حكم طالبان، طُلب من النساء تغطية وجوههن ببرقع، ومُنِعن من الدراسة أو مغادرة المنزل دون محرم وخلال الفترة من 1996 إلى 2001 في ظل حكومة طالبان التي كانت تسمي نفسها إمارة أفغانستان الإسلامية كانت النساء ممنوعات من العمل ويتعين عليهن ارتداء البرقع الذي يغطي الوجه ولا يسمح لهن بمغادرة البيت إلا بصحبة أحد الأقارب من الذكور. وتقول طالبان إنها تغيرت وإنها ستسمح بتعليم النساء لكنها تصر على الفصل في المدارس بين الجنسين وعلى ارتداء النساء ملابس فضفاضة. ولا يكفي ذلك لتهدئة مخاوف النساء من أمثال كريمة رحيميار العائل الرئيسي لأسرتها بعد مقتل زوجها برصاص طالبان في إقليم قندوز عام 1996 وإصابة زوجها الثاني بجروح وعجزه عن العمل بعد أن سجنته الحركة نحو ثلاث سنوات. وكثيرا ما تضطر لتهدئة روع بناتها اللاتي في سن الدراسة الجامعية لأنهن يشعرن بالغثيان عندما تتناهى إلى أسماعهن أصوات الرصاص أو يرد ذكر طالبان. وتشعر مثل الكثير من الأفغانيات بالحاجة الشديدة للسلام وتريد وضع نهاية للهجمات شبه اليومية في مختلف أنحاء البلاد والتي راح ضحية إحداها ابنها ضابط الشرطة وهو في الثانية والثلاثين من عمره عام 2016. لكنها تصر أنها لا تريد السلام على حساب حقوق النساء. وتقول “إذا لم يتم التوصل لاتفاقات والتزامات فستبقى النساء في البيوت وسيحرمن من كل شيء”.
مشاركة :