جاريد كوشنر هل ستكون خطة السلام بوابته إلى الرئاسة؟

  • 8/8/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يجمع المجد من أطرافه، الشاب الثري الوسيم والطموح، صهر أقوى رئيس في العالم، وأمير أحلام ابنته الجميلة المدللة، الابنة الأقرب إلى قلب والدها وإلى مكتبه البيضاوي في البيت الأبيض أيضا. إنه جاريد كوشنر رجل الأعمال والمستثمر الأميركي اليهودي الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب. فوالده تشارلز كوشنر، المستثمر في قطاع العقارات واحد من مشاهير سوق الأعمال والمال في نيويورك والولايات المتحدة عامة. أبوا تشارلز من الناجين من المحرقة النازية، وقد وصلا إلى الولايات المتحدة في العام 1949 قادمين من نافاروداك أو ما يدعى اليوم ببلاروسيا، وهما من اليهود الأرثوذوكس الجدد. درس في المدارس اليهودية المحافظة، ثم التحق بعد تخرجه منها في المرحلة الثانوية بجامعة هارفرد العريقة وتخرج بدرجة بكالوريوس في فن الحوكمة، وتابع دراساته العليا وحاز على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة نيويورك. كبير المستشارين اختار كوشنر أن يسير على خطى والده في الاستثمار العقاري حتى أصبح من كبار المستثمرين العقاريين في سن مبكرة، والمالك الرئيس لشركة كوشنر بروبرتي. كما أنه استثمر في الإعلام واشترى جريدة نيويورك أوبزرفر في العام 2005، وهو نفس العام الذي تعرّف فيه على زوجته ابنة الرئيس ترامب، إيفانكا. في العام 2009 تزوج جاريد من إيفانكا بعد أن اعتنقت اليهودية. وباتت ثروتهما معاً تقدّر بما يقارب 470 مليون دولار. قام ترامب حين وصل إلى الحكم بتعيين كوشنر مستشارا له، ثم رفّعه إلى منصب كبير مستشاري البيت الأبيض، وعُهد إليه بملف هو الأعقد والأكثر أهمية في السياسة الخارجية الأميركية وهو ملف السلام في الشرق الأوسط. ويلقّب كوشنر عمّه الرئيس ترامب بلقب “البجعة السوداء” وهي في الثقافة الأميركية المحكية كناية عن الشخص الذي يقوم بأعمال مفاجئة، غير متوقعة ولا يمكن التنبؤ بها، وغالبا ما تكون ذات تأثير كبير على المحيط؛ فحين سأله مذيع شبكة الـ”سي.أن.أن”، فان جونز، عن رأيه بوالد زوجته فقال على الفور “إنه البجعة السوداء وقد كان تلك البجعة طول حياته”. إيران والشرق الأوسطلم يكن لكوشنر أي دور سياسي أو منصب حكومي قبل أن ينخرط في حملة عمّه الرئيس. حتى أنه كان لفترة طويلة ديمقراطيا قبل أن يدخل ترامب المعترك السياسي، فتبرّع في العام 2008 لحملة هيلاري كلينتون للانتخابات الرئاسية، وأوعز لمحرر جريدته نيويورك أوبزرفر أن يدعم باراك أوباما الديمقراطي ضد جون ماكين مرشح الجمهوريين. لكن بعد أن خاب أمله من أداء أوباما السياسي السيء، توجّه إلى دعم مرشح الجمهوريين، ميت رومني، في انتخابات 2012. وهنا أخذت تتشكّل بدايات تحوّل في انتمائه السياسي، حيث بات يميل فكريّا باتجاه الحزب الجمهوري إلى أن انخرط بشكل كامل في صفوف الجمهوريين، وانضمّ عضوا فاعلا إلى حملة ترامب الرئاسية. يأخذ كوشنر على عاتقه ملف السلام في الشرق الأوسط، ويتحرك في أسفار مكوكية بين دول المنطقة المعنية لبلورة رؤيته لسلام مستدام يقول عنه “إن تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط سيكون أسوأ كابوس يقضّ مضجع طهران”. وقد قام خلال ورشة العمل التي عقدت في العاصمة البحرينية المنامة بالإعلان عن الشق الاقتصادي من خطة السلام التي أطلق عليها “السلام من أجل الازدهار”. البيت الأبيض أصدر، أيضا، كُتيبا يتضمّن خارطة الطريق، بشقيها الاقتصادي والسياسي، لخطة السلام من أجل ازدهار المعروفة إعلاميا باسم صفقة القرن. وفي الكُتيب مبادرة لجمع مبلغ 50 مليار دولار من مستثمرين من القطاع الخاص ودول الخليج لمشاريع البنية التحتية الفلسطينية، وإيجاد فرص عمل للشباب على مدى السنوات العشر القادمة. وقال كوشنر عندما أصدر البيت الأبيض الخطة “لقد ظل الشعب الفلسطيني لفترة طويلة عالقا في أطر عمل غير فعالة في الماضي”، ووصف الخطة بأنها “إطار عمل لمستقبل أكثر إشراقا وازدهارا للشعب الفلسطيني”. أما أبرز المحاور التي تنبني عليها خطة كوشنر فهي؛ تحقيق بيئة عمل محسّنة لتعزيز نموّ القطاع الخاص والاستثمار الخاص. التركيز على التعليم وتدريب القوى العاملة لتزويد الفلسطينيين بالأدوات التي يحتاجونها للنجاح في القطاع الخاص. معالجة قضايا الحوكمة لتحسين حقوق الملكية، وتعزيز سيادة القانون، وتأسيس سلطة قضائية موثوق بها، والحماية من الفساد. هل ولد سلام كوشنر ميتاعندما أعلن البيت الأبيض عن خطة الرئيس ترامب للشرق الأوسط، بدت الأمور من السطح برّاقة، إلا أنه في العمق كانت أكثر تعقيدا وصعوبة مما يظن الرئيس ترامب وكبير مستشاريه كوشنر. لم تحضر أيّ قيادة فلسطينية أوإسرائيلية ورشة العمل التي دعا إليها كوشنر واستمرّت يومين متتاليين، ولكن كان لكل دولة مجموعة من الممثلين غير الرسميين حضروا الورشة. وقال نائب رئيس الوزراء الفلسطيني نبيل أبوردينة حينها إنه “دون الاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة فلسطينية والتزامها بحلّ الدولتين، فإن الفلسطينيين يعارضون أي خطة تطرحها واشنطن. يجب أن تفهم إدارة ترامب جيدا أن الحل الاقتصادي دون أفق سياسي جلي ومتوازن لن يؤدي إلا إلى مزيد من الحروب في الشرق الأوسط”. والقارئ الحصيف للتاريخ يعرف يقينا أن تقديم الإصلاح الاقتصادي على العملية السياسية إنما هو أشبه بالسير إلى الوراء أو وضع العربة أمام الحصان. ففي السنوات الثلاثين الأخيرة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سقطت نظريات مشابهة لما يطرحه الرئيس ترامب الآن مثل مشروعيْ السلام الاقتصادي والشرق الأوسط الجديد. المتشائمون ممن يرفضون مشروع ترامب وصهره كوشنر يرون أن وضع مهمة إصلاح الاقتصاد كأولوية قبل الشروع الجدّي في العملية السياسية ليس أكثر من خطأ آخر استراتيجي في الأداء الأميركي في سلسلة طويلة من محاولاته غير الناجحة، للتقدم نحو الحل العادل والدائم بإقامة الدواتين الفلسطينية والإسرائيلية معا، ويرون إن تركيز إدارة ترامب على البعد الاقتصادي هو خطأ فادح يمكن أن يعرقل المفاوضات قبل أن تبدأ. بالطبع، يريد الفلسطينيون تحسين نوعية حياتهم ويريدون بناء اقتصاد متنامٍ ومستدام، لكن هذه الأهداف ليست أساسا بالنسبة لهم قبل إقرار وتطبيق حقهم في تقرير المصير. ويصف المتشائمون نهج ترامب هذا، في ما يدعى بصفقة القرن، بأنه ليس فقط غير أخلاقي، بل إنه غير عملي وبعيد جدا عن روح الواقع وأدواته. من نافلة القول إن الاقتصاد لم يكن يوما النهج الأفضل لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولتفنيد هذا الرأي ما علينا سوى العودة إلى براهين دامغة من التاريخ غير البعيد وهي اتفاقية باريس التي تلت معاهدة أوسلو، التي كانت عبارة عن مجموعة من الاتفاقات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية الموقّعة في التسعينات من القرن الماضي والتي لم يتم تنفيذها على الإطلاق، فقد أكدت على ملف الاقتصاد، ولم تلتفت إلى تدهور الوضع الأمني الذي كان يجب أن يكون من الأولويات قبل ملف الاقتصاد والأعمال. ​كذلك فإن الانتفاضتين الأولى والثانية لم تندلعا لأسباب اقتصادية، إذ لم يكن الاقتصاد الفلسطيني سيّئا نسبيا، لقد اندلعتا لأن الطريق إلى المستقبل كان ضبابيا، ولأن الفلسطينيين شعروا أن المنجزات الاقتصادية لن تؤدي إلى نهاية الاحتلال. وهكذا تلاشت الآمال الكبيرة لبناء الثقة في غياب خطة سياسية لإنهاء الصراع، وأضرم هذا الفراغ نار اليأس وخيبة الأمل، ما أدّى إلى انتفاضات غاضبة كلّفت المئات من الأرواح. كوشنر ماض في الترويج لخطته الموكلة إليه من البيت الأبيض، وهو يتنقّل بكثافة بين دول المنطقة ليشرح الشق السياسي قبيل الإعلان عنه رسميا في وقت قريب بعيد عطلة عيد الأضحى في الشرق الأوسط. كما يقوم كوشنر على جانب تقني موازٍ، بتشكيل برامج داعمة لمشروعه أهمها خطة إعلامية حكومية لتصنيف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي العربية. كما أن البيت الأبيض يستمر في تقديم الدعم والتمكين لكوشنر، وللملف الذي يحمله من خلال إصدار بيانات وتصريحات متوالية لصالح هذا الملف. وآخر ما صدر عن البيت الأبيض رسميا في وصفه لخطة السلام من أجل الازدهار بأنها “أكثر الجهود الدولية طموحا وشمولا للشعب الفلسطيني حتى الآن. فالخطة لها القدرة على تغيير الضفة الغربية وغزة للأفضل بشكل جذري، وفتح فصل جديد في التاريخ الفلسطيني، فصل ترسم ملامحه، ليس المحن والخسارات، وإنما الحرية والكرامة”. كوشنر الذي يدرس العرببتوجيه من كوشنر، شرعت الوكالات الحكومية الأميركية، وفي مبادرة غير مسبوقة، بجمع البيانات والخبرات والمعلومات اللازمة لتصنيف وسائل الإعلام العربية رسميا بما يتعلق بتغطيتها لعملية السلام في الشرق الأوسط. وقد تم تقييم ما يقرب من 50 مؤسسة إعلامية إقليمية ناطقة بالعربية من قبل الحكومة الأميركية لتحديد مدى تأثيرها الجماهيري، وفهم مواقفها تجاه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وذلك وفقا لتقارير مشتركة بين الوكالات تم مراجعتها حصريا بواسطة مؤسسة ماكلاتشي المستقلة للصحافة والتواصل الدولي. فالغرض كما يراه كوشنر من هذا المشروع الإعلامي الرادف هو التواصل مع السكان المحليين بأكبر قدر ممكن من الفعالية لفهم أفضل “لما يقود الشارع” في جميع أنحاء العالم العربي، حتى يتمكّن كوشنر وفريقه من فهم توجهاتهم بدقة أكبر والتوجّه إليهم بناء عليها. يرتكز مشروع كوشنر الإعلامي أيضا على فكرة أن المسؤولين عن إعداد خطة “السلام من أجل الازدهار” قد أمضوا وقتا طويلا في وضع الخطوط السياسية والاقتصادية للخطة، لكنهم لم يمضوا ما يكفي من الوقت لفهم البيئة الإعلامية الإقليمية والمحلية التي هي الأرضية للخطة. لذلك أراد أن يفهم ماهية الأفكار والمعايير التي تقود الشارع وتوجّهه، وكذلك الاستماع إلى الأصوات المؤثرة ومعرفة أسباب قوتها. وقد أشارت النتائج الأولية من هذا الاستطلاع والمسح الإعلامي إلى أن العديد من المنابر التي كانت معادية للولايات المتحدة في الماضي لم تكن قادرة على الوصول أو الاتصال بالحكومة الأميركية. التقارير التي يصدرها فريق كوشنر من الخبراء في هذا المشروع الاستقصائي مفصّلة ودقيقة للغاية، فقد اكتشف الفريق أن استعمال الهواتف المحمولة بين الفلسطينيين مرتفع للغاية لدرجة أن الغالبية يحصلون على أخبارهم من الأجهزة المحمولة أثناء الانتظار في طابور طويل عبر نقاط التفتيش الإسرائيلية. وتساهم في هذا المشروع السفارات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك يستعين بالدبلوماسيين الناطقين باللغة العربية في وزارة الخارجية، من أجل تحقيق أعلى درجات التواصل المدروس والمثمر مع الجماهير العربية العريضة. تعكس استراتيجية كوشنر هذه ميله إلى إيجاد حلول تكون قائمة على البيانات، وكانت تلك الاستراتيجية هي نفسها ما اتبعه خلال عمله الاستشاري في الحملة الانتخابية الرئاسية للعام 2016، وستكون أحد المحاور الرئيسة في بناء استراتيجية انتخابية تضمن إعادة انتخاب الرئيس ترامب في العام 2020. فهل سينجح كوشنر في تسويق صفقة القرن وتحقيق السلام المنشود، وكذا الازدهار والتنمية للأجيال القادمة في منطقة الشرق الأوسط، أم أن الصفقة مآلها الفشل كما حدث لأوراق أوسلو التي بعثرتها ريح الحرب والسياسة وانعدام الفرص أيضا؟ وهل ستكون تلك بوابة كوشنر للبقاء في البيت الأبيض، في المستقبل القريب، ولكن ليس ككبير للمستشارين وحسب بل كرئيس للولايات المتحدة؟

مشاركة :