الناس لا ينصفون الحي بينهم / حتى إذا ما توارى عنهم ندموا عندما حدث للمرحوم الدكتور عبدالرحمن الشبيلي ما حدث تدفقت عواطف أصدقائه ومحبيه وعارفي فضله بشيء غير قليل من وصف ما يتمتع به الرجل - رحمه الله- من الفضائل وسمو الأخلاق، وكل الصفات المحببة للناس مما جعل هذا البيت يتبادر إلى ذاكرتي سريعاً، وأردد معهم الأثر المشهور والقول الخالد أنتم شهداء الله في أرضه، وهي شهادات حق تفجرت بها ألسنة الكثيرين الذين عرفوه من قرب والذين عرفوه من جانب واحد كل أفاض بما عرف عن الراحل الكريم أو بما سمع وقرأ وفي كل وسائل التواصـل الاجتماعي التي أتاحت للناس كافة أن يعبروا عما يعرفون، وليس هذا هو المهم الأهم من ذلك كله أن هذه الشهادات في مجموعها أكدت على خصال كريمة وقيم فاضلة متفرقة في الناس وقلما تجتمع كلها أو أكثرها لشخص واحد إلا أن الناس الذين عرفوه عن قرب جمعوها له وشهدوا بها في محكمة الحياة التي غادرها، إذن الموت مصير الجميع وليس هناك من ينجو منه قرب زمانه أو بعد، وفجيعة الناس وعواطفهم نحو الراحلين ليست لذاتهم ولكنها فجيعة في القيم العليا التي يحملونها بين جوانحهم ويتصفون بها ويجدها الناس في سلوكهم وأخلاقهم وصلتهم بمن حولهم وبمن يعرفهم أو تربطه بهم أسباب الحياة، فإذا مات من هذه صفته بكى الناس فيه ذهاب ما يحمله من تلك القيم والصفات التي ترحل مع الذاهبين برحيلهم، ففقدان القيم العليا التي تفقد بفقدهم هو ما يضاعف الحزن عليهم ويثير العواطف نحوهم ويجعل الناس يعبرون عن هذا الفقد الكبير بشخص الراحل الذي يجسدها في سلوكه وعمله. الدكتور عبدالرحمن الشبيلي بشهادة هؤلاء الناس جميعهم حمل في حياته العريضة قيماً إنسانية محببة وقيماً اجتماعية محترمة مع تواصل دائم مستمر مع كل من عرفه وأدلى بما عرف وشهد في موقف الموت الرهيب أن الراحل حمل في حياته وفي تعامله مع كل من ربطته به صلة ما كماً كثيراً من هذه القيم التي اجتمعت فيه وبرزت بتعامله مع الناس، وأنا واحد من الذين عرفوا الدكتور الشبيلي عن قرب عرفته في العمل وعرفته في الجامعة وعرفته في الجوار وعرفته في مجالس خاصة وعامة، وعرفته فيما ألف وكتب وما ترك من آثار علمية وفكرية، وفي كل ما عرفت كان آية في حسن التعامل والرفق والهدوء، ولطف المعشر وأسر الحديث في طبيعة وسجية غير متكلفة تأنس بحديثه وترتاح للقائه ولو كنت غريباً عنه، وقد صارحته مرة بشيء من هذا وأحمد الله أنني أسمعته ما يسره في حياته قبل موته. في أوائل هذا العام أصدر الدكتور عبدالرحمن الشبيلي سيرته الذاتية وعنونها بكلمة واحدة (مشيناها) وهي كلمة من بيت مشهور: مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها فاستعرضتها بمقال نشر في يوم الأربعاء موعد مقالي الأسبوعي 2/ 1/ 2019م في جريدة مكة المكرمة وجاء فيه (ومع أن خطوات الشبيلي في ممشاها الطويل لا بد أنها اصطدمت مع خطوات السائرين معه في طريق الحياة إلا أن هدوءه المعروف وطبيعته المسالمة وتريثه في معالجة الأمور التي تعرض له ساعدت كثيراً في حسن الصحبة مع كل من عرفه، وعرف العمل معه، ولم تند كلمات تجرح الأدب مع الناس الذين عاشرهم، ولم يضق ذرعاً بمن اختلف معهم أو خالفهم، وما أقل ما ذكر من الاختلاف أو وقف عنده ولم يهضم حق الطرف الآخر، انتظمت ذكريات الشبيلي أسلوب السرد والاستطراد وتسلسل الأفكار وترتيب الأحداث والرضا عن النفس والناس). وهذا المعنى هو ما أجمع عليه الذين رثوه بعد موته فقرروا ما قرأته في سيرته. رحم الله عبدالرحمن الشبيلي وتقبل دعاء من دعا له بالخير وذكره وما أكثر من دعوا له بالخير وذكروه.
مشاركة :