بعد غد العيد، كل عام والقيادة الحكيمة والشعب البحريني والمقيمون والزائرون بألف خير وسلامة سائلا العلي القدير أن يحفظ البحرين حكومة وشعبا من كيد الكائدين. بعد غد، يوم الأحد الدعوة مفتوحة للبحرينيين والمقيمين معهم على هذه الأرض الطيبة للاحتفال وإظهار الفرح على أوسع نطاق، تاركين خلف ظهورنا كل مآسي العالم والحياة وكل خيانات من خان، ومتسلحين بالحذر مما يكيده نظام الحمدين وملالي إيران، فمن طبائع الأنظمة الشريرة العمل على زراعة الشر في أفراح الآخرين. فدعونا نحتفل كما ينبغي لنا الاحتفال، ونفرح كما يجب لنا أن نفرح، فنحن شعب متمدن وعاقل، يقدر مناسبات الفرح ويعيش لحظاتها. في العيد، باستطاعة الإنسان أن يستعيد طفولته ويستحضر تفاصيل ذكرياته بدقة متناهية وعجيبة، وبإمكانه أن يستجلب معها وجوه البشر والأماكن والروائح التي ترافقت معها، وأن يستعرض كل الصور والمواقف التي تسبق العيد وخصوصا منها تلك التي تتصل بالاستعدادات المبكرة له، لتتمازج بذلك بهجة العيد مع مشاعر الحنين الجارفة. العيد فرحة طفولة لا متناهية، تبدأ قبل العيد بأيام، يستعد لها الأطفال على وقع استعدادات الآباء والأمهات وإنشغالاتهم بتوفير متلطلبات العيد. وكلما دنا وقت الاحتفال بالعيد، كلما تذكر الآباء والأمهات ما الذي ينقص أبناءهم ليحضروه، حتى يبدون في أحسن مظهر، مهما كانت حالة الأبوين المادية. في زمن طفولتنا، نهاية الخمسينيات كان الآباء يلبسوننا على قدر استطاعتهم، وأحيانا كثيرة بما يفوق استطاعتهم، لكي يشعروا الأطفال بكم الحب الذي يختزنوه لهم. كانوا يختارون لنا اللباس على أذواقهم، ولكنهم يحرصون على اصطحابنا معهم إلى السوق لاغتناء حاجيات العيد، لإشعارنا بوقت مبكر بفرحته والسعادة التي ينبغي أن نستشعرها بحضوره. وعلى الرغم من أن ما يكتسيه الطفل منا من لباس لم يكن من اختياره مائة في المائة، إلا أنه ينبري مدافعا أمام أقرانه عن مظهره في هذا اللباس وعن قيمة ما يلبس، وفي هذا شيء من الاعتراف الضمني بجميل الوالد وشكل من أشكال إبداء الشكر والثناء له. من الصور المحفورة في الذاكرة، وهي مستمرة حتى يومنا هذا اصطحاب الآباء فلذات أكبادهم إلى أماكن الحلاقة المحدودة العدد آنذاك، بل ويكاد وجودها مستحيلا في القرى كما كان الوضع في قريتي قلالي، على عكس ما هو موجود الآن، حيث تجد في «الفريج» الواحد أكثر من حلاق. ومن الملاحظ آنذاك أن الطفل حتى سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة ويمكن أكثر، يذهب بمعية والده ليتم حلاقة العيد، فترى «دكان» الحلاقة ممتلئا عن بكرة أبيه. ما يحدث بالنسبة إلينا أهالي قلالي هو أننا نذهب من قلالي إلى المحرق للحلاقة، وفي غالب الأوقات نعود من دون أن نجريها بسبب ازدحام «دكان» الحلاق. أما البنات فإن تحضيراتهن تسبق بكثير تحضيرات الأولاد، كما هو الحال اليوم، فهن يمضين أياما بحثا في الأسواق لاختيار الأقمشة والألوان المناسبة والأحذية المتناسبة. كما يتطلب الاستعداد للعيد منهن القيام بحملة تنظيف لكل مرافق المنزل وإعداد مختلف صنوف الطعام، مالحها وحلوها، تكريما للمناسبة وإكراما للمحتفين بها. فكم للمرأة، أمهاتنا وأخواتنا، علينا نحن الرجال من دين!. وعطفا على إحساسي الشخصي، يبقى العيد حالة من الحنين إلى الماضي ليس من اليقين الإمساك ببهجة لحظتها إذا لم تسارع إلى هتك أستار الماضي واستحضار طفولتك من خلفها. وإذا ما سألت ذاكرتي عن حجم الفرحة بالعيد قبل خمسين عاما فإنها ستشير إلى حضور فن الطرب والغناء بوصفه أكثر الفنون تجسيدا لحالات السعادة والحبور بالأعياد، وتعبيرا عن اللحظة حتى لا تفلت من دون تسجيل حضور لها في ذاكرة المحتفلين. إن فنون ذلك الزمن لمعبرة عن المناسبات المفرحة، ففي أيام الأعياد تنتشر الفرق الفنية على اختلاف أنواعها، لقد كانت الفنون الشعبية، مثل الرزيف عند الرجال والمرادة عند النساء، وهو فن أصيل ضاع لعدم الاهتمام بالتراث فباتت «المراداة» مفردة لا معنى لها بدءا من جيل السبعينيات فصعودا. لقد كانت جملة الفنون هذه هي التعبير الأمثل عن بحرين التسامح والتحاب والتراحم، وكانت هذه الروابط الوجدانية والفكرية والاجتماعية كلها مجسدة فيما كان يجري من طقوس ومراسم احتفالية لا تخلو البتة من الرقص والطرب والانتشاء دون حرج ولا خوف. تقام هذه الفعاليات، التي ابتدعها الأولون توقا للفرح وحفظتها الذاكرة الجمعية، على امتداد نهارات الأعياد الدينية والوطنية، لتكسر الروتين وتثري حياة الناس بمزيد من فرص البهجة، كل هذا فضلا عن الحفلات الليلية التي يحييها المطربون البحرينيون والعرب، وبالرغم من ذلك لم يكن أحد يستنكر على جيلنا وجيل آبائنا من قبلنا إظهار الفرح. فقد ارتحل الآباء والأجداد من قبلهم إلى البارئ عز وجل بعد عطاء للوطن حافل بالمنجزات وهم كلهم إيمان وخشوع.. وحبا للفرح. لكل جيل ولكل مجتمع طريقة في إظهار فرحه بالأعياد والمناسبات، ويبقى المشترك بين الأجيال في مجتمعاتنا العربية والإسلامية هو وجود هذه الأعياد والمناسبات بذاتها، متنفسا للتعبير عن هذا الفرح. فالنفرح مادام هناك متسع للفرح.
مشاركة :