في نهاية يوم شاق ومضن مع المرضى والأعمال الإدارية التي تثقل الكاهل وفي خضم زحمة المعاملات اليوميه أتلقى اتصالاً من زميل المهنة وصديق العمر وفي لفتة تواضع منه يستشيرني ويريد أن يعرف رأيي الطبي الجراحي في حالة عاينها في عيادته هذا اليوم مخبرا إياي أن لديه مريضا في الأربعين من عمره مصابا بداء الرتج في كامل قولونه إلا أنه يشتكي ألما في الجهة اليمنى فقط وأن فحصه السريري له والأشعة الصبغية المقطعية أظهرا أن هذا الألم سببه التهاب الرتوج القولونية في الجهة اليمنى فقط. فأشرت عليه أن يستأصل الجهة اليمنى من القولون فقط. وقد تسأل عزيزي القارئ وتقول ما هذا المرض ومن هم الذين يكونون عرضة له وهل صحيح أن الجراحة هي الحل له؟ داء الرتج قديما كان يعتبر داء غربيا لا يمت لنا بصلة من قريب أو بعيد وقد بحثت في عناوين كتابي القانون في الطب لابن سينا والحاوي لأبي بكر الرازي عن هذا الداء فلم أجد له أثراً مما يجعلني أجزم أنه من أمراض العصر(الحضارة الجديدة الداخلة على مجتمعنا). ومن شأن الرتوج أن تتكون في أي مكان من القناة الهضمية بما في ذلك الحلق والمريء والمعدة والأمعاء الدقيقة. أما أبرز هذه الأماكن فهو الأمعاء الغليظة أو القولون، وخاصة الجزء الأسفل منه ويدعى القولون السيني. فرتج القولون هو وصف لضعف في جدار القولون مع وجود ضعغط داخلي كبير أكبر مما يستطيع القولون مقاومته ينتج عنه انفتاق الأجزاء الضعيفة من جدار القولون لتتشكل جيوب صغيرة من الغشاء المخاطي للقولون والطبقة تحت المخاطية بحجم النرد تنبثق خارج الجدار. فقد تظهر في كل القولون إلا أن المكان الأكثر إصابة به هو القولون السيني، وهو المكان العام لزيادة الضغط، ويسمى كل جيب رتجاً. وهو مرض غير شائع قبل سن الأربعين خريفاً، ويزداد معدل الإصابة بعد هذا السن. عندما يتقدم العمر بالإنسان، تزداد سماكة الجدار العضلي الخارجي للقولون، مما يؤدي إلى تضيّق مجراه الداخلي. ويسبب هذا التضيق زيادة الضغط داخل القولون ومضاعفة خطر تكون الجيوب. أضف إلى ذلك أنّ ازدياد سماكة الجدار الخارجي تقلص قدرة القولون على دفع الطعام الذي يبقى فيه لمدة أطول، ليمارس ضغطاً على الأنسجة الداخلية. ويبقى غالباً بدون تشخيص باعتبار أنه نادراً ما يسبب أي مشاكل أو أعراض للمريض. وإلى وقت قريب أي حوالي العشرين إلى الخمس والعشرين سنة ماضيه وقبل دخول الأطعمة المعلبة والوجبات السريعة على مجتمعاتنا كان يندر التهاب الرتوج في دول المنطقة العربية والدول التي تعتمد على نظام غذائي غني بالألياف والذي يسمح بتكوين فضلات غذائية طرية القوام. بينما يشيع التهاب الرتوج في الدول الصناعية كالولايات المتحدة وبقية الدول الصناعية الكبرى التي تعتمد نظاما غذائيا غنيّا بالنشويات(الكربوهيدرات) المكررة وفقيرا بالألياف. أضف إلى ذلك ازدياد البدانة والخمول العجيب والكسل العارم الذي يجتاح مجتمعنا السعودي فلا يلقي للرياضة بالاً أو اهتماماً إلا فيما ندر. فمن الملاحظ أن يرافق قلة ممارسة التمارين الرياضية وزيادة الوزن مع ارتفاع نسبة الإصابة بداء الرتوج، وازدياد ظهور مضاعفات له كالتهاب الرتوج أو نزفها. إن داء الرتوج القولونيه مرض مسالم عند غالبية الناس فلا يسبب مشاكل في أغلب الأحيان، بل إنه يُكتشف في معظم الحالات أثناء اختبارات الكشف الروتينية لسرطان القولون والمستقيم أو لحالة معوية أخرى. فيُظهر تنظير القولون أو تنظير القولون السيني أو صور أشعة القولون الصبغية وجود جيب أو أكثر. ولكن في القليل من الأحيان يسبب أعراضاً خفيفه مثل ألم في أسفل الجهة اليسرى من البطن، وألم في البطن عند الضغط، وإمساك أو إسهال، وغثيان، ونادرا ما يسبب ارتفاعا في الحرارة والتي هي عبارة عن مؤشر لحدوث التهاب رتجي تتفاوت حدة أعراضه بتفاوت حدته. ومن الأعراض الاخرى التي قد تنتج عن داء الرتج القولوني التهاب أنسجة القولون والغشاء البريتوني المحيط به والذي يحدث في حال انفجار أحد الرتوج الملتهبة، وتلوث الغشاء البريتوني (الغشاء المبطّن لجوف البطن) بمحتويات القولون مؤدياً إلى التهاب الغشاء البريتوني والذي يعد حالة إسعافية تتطلب العناية الطبية الفورية. عند إصابة المريض بداء الرتج فإن الخلاص الوحيد منه هو استئصاله جراحياً. إلا أنه حل لا يصلح لكثير من الحالات خاصةً إذا لم يكن هناك أي أعراض مصاحبة ولذا فإن خير علاج هو تجنب الإصابة به فلقد صدقت العرب قديما عندما قال قائلهم الوقاية خير من العلاج. تكمن الوقاية هنا بإلإكثار من الألياف فالأطعمة الغنية بالألياف، كالفاكهة الطازجة والخضراوات والحبوب الكاملة، تليّن البراز وتساعد على مروره بسرعة أكبر عبر القولون. وهذا ما يخفف من الضغط داخل القناة الهضمية. فينصح بتناول ما بين 25 إلى 30 غراماً من الألياف يومياً. كما يُنصح باستبدال المأكولات الدهنية بالفاكهة والخضراوات والحبوب. وهو نفس الغذاء الذي يُنصح به من وُجِد أنه مصاب بداء الرتوج. تمنع أيضاً وقوع نوبة أخرى لالتهاب الرتج. تعاني الشريحة الاكبر من المرضى الذين تظهر أعراض عليهم من عوارض طفيفة لالتهاب الرتج، غالباً يبدأون بالشعور بالتحسن بعد أسبوع أو اثنين. وهنا يجب عليهم الحرص على عدم مضاعفة معدل الألياف مرة واحدة. فمن شأن ذلك أن يسبب غازات وتشنجات مصحوبة بانتفاخ وإسهال. حاول بالتالي زيادة الكمية تدريجياً على مدة أسبوعين. كما يُنصح المريض من استخدام ألياف ملينة إضافية على شكل وصفات طبية مثل الموفيكول ومن في حكمه من هذه الأدوية فهي مأمونة إجمالاً ولكن بعد استشارة الطبيب فغالباً ما تزيل الإمساك في غضون يوم إلى ثلاثة أيام كما أنها تساعد على منع الإصابة به ويجب تناول الكثير من الماء معها. يتلخص العلاج غير الجراحي لالتهاب الرتج في أخذ قسط من الراحة والحمية الغذائية لبضعة أيام مع تناول المضادات الحيوية ومسكنات الألم. ينحصر الغذاء في هذه الفترة على السوائل والأطعمة الخفيفة التي ينخفض فيها معدل الألياف فبهذه الطريقة تخف تقلصات القولون ويسمح له بالراحة والشفاء. أما في حالات الغثيان والتقيؤ الحادة، فيجب على المريض تجنب جميع الأطعمة والاكتفاء بالسوائل عبر الوريد. وفور زوال الألم والذي غالباً ما يقل تدريجياً في غضون يومين إلى أربعة أيام، يمكن البدء بتناول أطعمة إضافية ومضاعفة معدل الألياف تدريجياً. وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة متابعة العلاج بالمضاد الحيوي حتى نهايته، حتى بعد الشعور بالتحسن بعد بضعة أيام. فغالباً ما تنجح هذه الطريقة، أي الراحة والغذاء القليل الألياف والمضادات الحيوية وأحياناً المسكنات، في علاج النوبة الأولى لالتهاب الرتج. ولكن لسوء الحظ، تتراجع استجابة النوبات المتكررة لهذه التدابير البسيطة، وقد يستدعي الأمر عناية أكثر تعقيداً منها الحل الجراحي. والذي يتم اللجوء إليه عند حدوث مضاعفات مثل التهاب الصفاق أو انسداد القولون أو ظهور خراج أو ناسور. والناسور هو عبارة عن مجرى غير طبيعي يتكون بين عضوين، كالقولون والمرارة، وينجم عن اعتلال أحد الأعضاء. وتجنباً لحدوث إنتانات في المستقبل، غالباً ما ينصح الأطباء من يصابون بالتهاب رتجي متكرر بإجراء جراحة لاستئصال الجزء المصاب من القولون.
مشاركة :