الحج رحلة إيمانية عظيمة، لها ثمرات دينية وأخلاقية واجتماعية في قلوب ونفوس الحجيج، ومن أعظم تلك الثمرات: نشأة الحاج نشأة جديدة حتى يعود كيوم ولدته أُمه، إذا أدى مناسك الحج كما أمر الله تعالى، وكما بين رسوله صلى الله عليه وسلم. فالحج مغفرة للذنوب، وتكفير للسيئات، ورفع للدرجات، وأعظم بها من ثمرة تنشرح لها الصدور وتتوق لها النفوس التائبة لربها، وقد اقترفت من قبل الذنوب والمعاصي ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فمن وُفق لأداء فريضة الحج، بمال حلال وتوبة صادقة، مُتبعا هدي النبي وسنته في الحج، وتحلل من المظالم التي بينه وبين العباد، رجع من حجه كيوم ولدته أُمه خاليا من الذنوب والأوزار، صحيفة أعماله بيضاء نقية، وقلوب صافية مشرقة بالإيمان سليمة الفطرة نقية السريرة. أخرج الترمذي بسنده عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث ولم يفسق، غُفر له ما تقدم من ذنبه. صححه الألباني. وأخرج أحمد في المسند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال. رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كهيئته يوم ولدته أمه. تعليق شعيب الأرنؤوط: صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين. والمعنى رجع من حجه كهيئته يوم ولادته لا إثم عليه، وأخرج المنذري في الترغيب والترهيب بسنده عن أنس بن مالك قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، وكادت الشمس أن تؤوب، فقال: يا بلال، أنصت لي الناس، فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنصت الناس، فقال: معاشر الناس، أتاني جبريل آنفًا، فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمِن عنهم التبِعات. فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة. فقال عمر بن الخطاب: كثر خير الله وطاب. وأخرج البزار في مسنده من حديث ابن عمر رضي الله عنهما, حين جاء رجل يسأل الرسول عن فضل الحج والطواف والسعي والوقوف بعرفة ورمي الجمرات. فقال له صلى الله عليه وسلم: فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفا ولا ترفعه إلاَّ كتب الله لك به حسنة ومحا عنك خطيئة وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني اسماعيل وأما طوافك بالصفا والمروة بعد ذلك كعتق سبعين رقبة وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله تبارك وتعالى يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: عبادي جَاءُونِي شعثا من كل فج عميق يرجون رحمتي فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزبد البحر لغفرتُها، أو لغفرها، أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له. فحينما نقرأ ونتدبر تلك النصوص وغيرها يتبين لنا كيف يُولد الحجيج ولادة جديدة، بمحو الذنوب والخطايا، وتلك من أعظم ثمرات الحج، فاحرص أيها الحاج أن يكون حجك مبرورا، لتُغفر ذنوبك، وتُمحى عنك السيئات. ومن ثمرات الحج العظيمة: تحقيق وحدة الأمة الإسلامية. وهذه ثمرة متعددة المنافع والأشكال. حيث تشمل عموم الأمة الإسلامية في شتى أرجاء الأرض، وإن كانت العبادات كلها التي فرضها الله تعالى علينا تجمع الأمة وتوحد صفها وكلمتها، إلا أنها في الحج أشد تأثيرا لاجتماع الحجيج من كل فج ومن كل بلد على وجه الأرض في مكة المكرمة، البلد الحرام، والبلد الأمين، حيث البيت الحرام قبلة المسلمين، وحيث المناسك والمشاعر المقدسة، يجتمعون بثياب واحدة (ملابس الإحرام) يدعون بدعاء واحد لله الواحد لا شريك له، في ملتقى سنوي يُعلن للدنيا أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، وإن اختلفت اللغات والألوان، تجمعها كلمة التوحيد، وأداء العبادة، وما أحوج الأمة لهذا الاجتماع السنوي وهذا الملتقى الديني، الذي يؤكد للدنيا وحدة الأمة وقوتها، وأعداء الأمة لا يألون جهدا في تفريق شمل الأمة، وبث الفرقة والعداوة بين أبنائها، فيأتي موسم الحج ليرأب الصدع، ويجمع شمل الأمة، ويوحد كلمتها على الحق والخير، ليتحقق للأمة ما وصفها به رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه بسنده عَنِ الشعبي عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى. وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. إن في فريضة الحج تطبيق عملي لقوله تبارك وتعالى: إن هذه أُمتكم أُمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون. الأنبياء:92. فهذه عبادة الحج المتجددة كل عام تجمع شمل الأمة وتوحد كلمتها، مع بقية العبادات من صلاة وصيام وزكاة وذكر وجهاد، فيا ليت دعاة الوحدة والتقارب بين جماعات الأمة يعون هذا الدرس وتلك الثمرات للحج خاصة ولسائر العبادات التي فرضها الله علينا، فإن كانت العقيدة واحدة، والعبادات واحدة، والقرآن واحد والسنة واحدة، فكيف تتفرق الأمة؟ إن أكثر ما يُخيف أعداء الأمة وحدتها واجتماعها، ولذا فهم يسعون جاهدين إلى تفريق كلمتها وبث الفرقة بين أبنائها، فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
مشاركة :