سارعت جماعة الإخوان المسلمين المصرية المحظورة إلى نفي صلتها بالعملية الإرهابية التي وقعت قرب معهد الأورام في العاصمة المصرية القاهرة والتي أودت بحياة عشرين شخصا أثر انفجار سيارة محملة بالمتفجرات حيث أشارت أجهزة الأمن المصرية إلى أن «حركة حسم» التابعة لجماعة الإخوان المسلمين «قامت بتجهيز السيارة بالمتفجرات تمهيدا لنقلها إلى أحد الأماكن لاستخدامها في تنفيذ إحدى العمليات الإرهابية»، ومثل هذه الإشارة من قبل الأجهزة الأمنية المصرية ليست الأولى التي توجه إلى هذه الجماعة، حيث تؤكد أجهزة الأمن ارتباط نشاط الجماعة بمثل هذه الجرائم الإرهابية. بعيدا عن صحة معلومات أجهزة الأمن المصرية فيما يتعلق تحديدا بالمسؤولية عن هذه العملية الإرهابية أو عدم ضلوع، أو حتى «علم» هذه الجماعة في هذه العملية الأخيرة، إلا أن ما يرجح كفة المعلومات التي تحدثت عنها الأجهزة الأمنية المصرية هو أن تصاعد العمليات الإرهابية التي تواجهها مصر في الآونة الأخيرة، كان ملحوظا خاصة بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين، وإطلاق الجماعة لتهديدات صريحة بتصعيد مقاومتها للسلطات المصرية، وهي التهديدات التي ساهمت دون أدنى شك، في تشجيع وفتح المزيد من الأبواب أمام مختلف الجماعات الإرهابية للانخراط في تنفيذ مثل هذه الجرائم. العملية الإرهابية الأخيرة، التي أودت بحياة أعداد من المواطنين الأبرياء، ليست الأكثر دموية التي تتعرض لها مصر وليست هي الهدف المدني الوحيدة الذي تطاله أيادي الإرهابيين، فمنذ الإطاحة بنظام حكم الإخوان المسلمين، لم تتوقف هذه الأعمال الإجرامية عن استهداف المدنيين الأبرياء والمنشآت المدنية، إذ كانت جميع الأهداف بالنسبة لمنفذي هذه الجرائم، هي بمثابة أهداف مشروعة، وهو ما تجسد من خلال تعرض العديد من دور العبادة، وخاصة الكنائس القبطية لمثل هذه الجرائم، وكان هناك استهداف مباشر للمسيحيين المصريين (الأقباط) لحملهم على ترك مناطق سكنهم في العديد من المحافظات المصرية، وخاصة تلك الواقع في شبه جزيرة سيناء، حيث تنشط بقوة الجماعات الإرهابية. يتضح من نوعية العمليات الإرهابية التي تتعرض لها مصر في السنوات الأخيرة، أن الأهداف الرئيسية من ورائها تتمثل في منع مصر من تحقيق أي شكل من أشكال الاستقرار السياسي والأمني وإشغال السلطة المصرية عن التوجه نحو إعادة بناء الدولة بعد سنوات من الاضطراب السياسي وحالة عدم الاستقرار التي أعقبت سقوط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، إذ واجهت الدولة المصرية تحديات خطيرة، وخاصة أن الأحداث وقعت في وضع إقليمي غير مستقر تمثل في التدخلات الخارجية فيكل من سوريا وليبيا وإصرار قوى إقليمية ودولية على زعزعة استقرار الدولتين. مضمون الخطاب السياسي الذي تتحدث به جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الأخرى المؤيدة لها، وخاصة بعد الإطاحة بنظام الرئيس الراحل محمد مرسي، حيث تعتقد، بل وتؤمن «الجماعة» في أن السبيل الأمثل لتحقيق هذا الهدف، يكمن في إضعاف سلطة الدولة المصرية عبر استهداف كافة المؤسسات المدنية وغيرها، بل والأفراد أيضا لأن مثل هذه الأعمال قد تخلق حالة من عدم الثقة في قدرة السلطة على إدارة شؤون الدولة وتأمين مصالح جميع فئات الشعب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تصاعد واستمرار الأعمال الإرهابية، من شأنه أن يأخذ حيزا من اهتمامات السلطات المصرية. جماعة الإخوان المسلمين المصرية، أيا يكن دورها في العملية الإرهابية الأخيرة، فإن سجلها ليس بريئا من دماء المواطنين المصريين، وهناك وقائع تاريخية مدونة تشهد بذلك، حتى قبل التطورات الأخيرة التي حدثت في مصر بعد الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق محمد مبارك ودخول الجماعة في العملية السياسية، وهي التجربة الأولى لهذه الجماعة والتي أثبتت من خلالها عدم أهليتها لأن تكون شريكا سياسيا حقيقيا في بناء مصر ما بعد مبارك إذ سرعان ما شرعت في الانقلاب على التوجهات السياسية العامة وشرعت، على عجالة في البدء بترجمة مشروع الدولة الدينية الثابت في نظامها الأساسي وتوجهاتها السياسية. فالجماعة بسلوكها السياسي الخاطئ، وبغض النظر عن تباين مواقفها مع السلطة القائمة في القاهرة، التي وضعت حدا لحكم جماعة الإخوان المسلمين، هذا السلوك مهد الطريق أمام صعود وتصاعد الممارسات المتطرفة والإرهابية من خلال الترويج لثقافة الانتقام من السلطة الحاكمة ومقاومتها بشتى الوسائل، بما في ذلك الوسائل العنيفة حيث لا تخفي الجماعة إيمانها ودعمها لمثل هذه الوسائل في موجهة قوات الجيش والأمن المصريين، مثل هذا التشريع يعد إباحة مباشرة و«مشروعة» لتنفيذ العمليات الإرهابية والتي عادة ما تؤدي إلى إزهاق أرواح عشرات إن لم يكن مئات من أرواح المواطنين الأبرياء. وبتتبع خال من التفاصيل لمواقف جماعة الإخوان المسلمين من العمليات الإرهابية التي تقع في مصر، سواء استهدفت المرافق العسكرية والأمنية أم المدنية، كما هو الحال مثلا مع العملية الإرهابية الأخيرة، فإن هذه المواقف تشوبها الضبابية التامة، فهي تصرح بأنها لا تقوم بمثل هذه الأعمال، و«ترفضها» لكنها في الوقت نفسه ترفض إدانتها إدانة صريحة، أو الإشارة إلى منفذيها، بل أن الجماعة في الكثير من الأحيان تبرئ بطريقة غير مباشرة الجماعات الإرهابية من مسؤولية ما تقترفه من جرائم وتحمل السلطة المصرية مسؤولية ذلك واتهامها بالوقوف وراء مثل هذه الجرائم.
مشاركة :