أحرقت مديرية التربية والتعليم المصرية في الجيزة ٧٥ كتاباً. وُصِفَت الكُتُب بأنها إخوانية، وتحمل أفكاراً متشددة، وتحرِّض على العنف، ومؤلفوها فرّوا إلى قطر. وكيلة مديرية التربية والتعليم، قالت لصحيفة المصري اليوم: تم الحصول على الموافقة الأمنية بإعدامها. وزادت: كان ممكناً إخراج هذه الكتب بعد تشميعها بالشمع الأحمر، ولكن تم اتخاذ إجراء الحرق لحماية الأطفال. أجهزة الأمن صارت تطارد كتباً إرهابية. سأصرف النظر عن 74 كتاباً أُحرِقت، لأنني لم أقرأها، رغم رفضي مبدأ حرق الكتب، أياً يكن مؤلفها، ومضمونها. حرق الكتب ليس ظلماً فحسب، بل ظلمات. أقف أمام حرق كتاب الإسلام وأصول الحكم للشيخ علي عبدالرازق. مؤلفه أحد أعلام الثقافة المصرية والعربية، وهو توفي عام 1996 عن عمر يناهز ثمانين سنة. تخرَّج من الأزهر، وجامعة أوكسفورد، وعمل في الأزهر والقضاء. وفي عام 1925 أصدر كتابه الفريد الذي حُرِقَ في مدرسة. الكتاب صدر في فترة تدل على وعي الشيخ عبدالرازق بالتهديد الذي واجه الأمة العربية، وهو انهيار ما يسمى الخلافة العثمانيّة. آنذاك كان الاحتلال الأوروبي يفرض سيطرته على دول عربية، وفي المقابل كان يجري العمل لإحياء الخلافة الإسلاميّة، في مصر، ودول أخرى عربية. في العام الذي صدر فيه كتاب الإسلام وأصول الحكم، كان الأزهر رتّب مؤتمراً لمجموعة من علماء الدين في القاهرة لمناقشة موضوع الخلافة، انتهى إلى قرار يؤكد أن منصب الخلافة ضروري للمسلمين كرمز لوحدتهم، وأن يجمع الخليفة بين السلطة الدينية والمدنية. كان الهدف تنصيب الملك فؤاد الأوّل خليفة للمسلمين. في هذا الوقت أطلق الأزهر حملة ضارية على الكتاب والشيخ، وتم فصل علي عبدالرازق من عمله في القضاء والأزهر. الشيخ علي عبدالرازق يرى أنّ الإسلام لا تشريع له في مجال السياسة، فالسياسة أمرٌ دنيوي يعود إلى الناس اختيار وسائله ومبادئه. ويرى أنّ نظام الخلافة الذي نُسِب إلى الإسلام ليس من الإسلام في شيء، إنّما هو من وضع المسلمين، وأن الخلافة الإسلامية ليست أصلاً من أصول الإسلام، بل هي مسألة دنيوية وسياسية أكثر من كونها مسألة دينية، ولم يرد بيانٌ في القرآن، ولا في الأحاديث النبوية في تأكيد وجوب تنصيب الخليفة أو اختياره، فضلاً عن أن الخلافة كانت دائماً تؤخذُ بالقوّة والغلبة، ولا يذكر التاريخ لنا خليفةً إلا اقترن في أذهاننا بتلك الرهبة المسلّحة التي تحوطه، والقوّة القاهرة التي تُظلُّه، والسيوف المصلتة التي تذود عنه. هل يدعم مضمون هذا الكتاب مشروع الإسلام السياسي، ويستدعي الحرب عليه؟ لا شك في أن المسؤولين في مديرية التربية والتعليم المصرية، الذين أحرقوا كتاب الإسلام وأصول الحكم، لم يقرأوه. علي عبدالرازق ينسف مشروع جماعات الإسلام السياسي من أساسه، تحديداً مشروع الإخوان المسلمين. فضلاً عن أن الحكومة المصرية لم تأمر بحرق الكتاب أيام الهجمة عليه قبل تسعة عقود. الأكيد أن هذه الحادثة تشير إلى أن حرية الفكر في العالم العربي تتراجع، وأن هناك من يسعى إلى فرض مكارثية ثقافية في مصر. هذا الفعل تعدّى على الريادة المصرية، ومكانتها في صنع الثقافة واحتضان المثقفين. المؤلم أن هذا التصرف أتاح مجالاً لعقد مقارنة بين هدم داعش للآثار، وحرق كتبٍ في مصر. نقلا عن الشرق الأوسط
مشاركة :