تأتي أهمية استقلالية إدارات التعليم وتمكينها تزامناً مع الأهداف الاستراتيجية للتعليم لتحقيق برامج التحول الوطني 2020 وارتباطها بالمبادرة الثامنة من مبادرات التحول الوطني والتي عنوانها (تطبيق النموذج التشغيلي المقترح لوزارة التعليم وإعادة توزيع الأدوار بين الوزارة والجامعات وإدارات التعليم). ومع الأهداف الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العام والمخطَّط لها حتى عام 1444هـ والتي من المتوقع أْن تحدث نقلةً نوعية في منظومة التعليم في المملكة العربية السعودية. وحددت الاستراتيجية سياسات لتحقيقها ومنها: ممارسة إدارات التعليم ومن في حكمها استقلالاً تربوياً وإدارياً ومالياً ودعم الابتكار والتميز والتنافس في الممارسات التعليمية وفق المعايير العالمية ومحددات التحفيز والمحاسبية وتطوير نظام وطني للمحاسبة وإدارة الجودة والتميز يستند إليها النتائج ويدعم التطوير والتحسين المستمر في الأداء تمكين إدارات التعليم والمدارس من تنفيذ أنظمة الجودة وتوطينها) دليل مشروع الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العام، 1434هـ. وكما طالبت لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس الشورى بمنح إدارات التعليم في المناطق الاستقلال الإداري والمالي عن الوزارة، بعد ملاحظة اللجنة بأن تلك الإدارات لا تحظى بالصلاحيات الكافية في الجوانب التعليمية والتربوية والإدارية والمالية، ورأت مناسبة منحها العمل التنفيذي الكامل في الجانبين الإداري والمالي لترتيب الإدارات لأولوياتها واحتياجاتها ومشروعاتها التطويرية. وإحداث التطوير الشامل في إدارات التعليم على كافة المستويات لإعادة الدور الطبيعي للإدارة التنفيذية لممارسة صلاحياتها ومسؤولياتها في تطوير العملية التعليمية والتربوية. ولا تختلف إدارات التعليم في المملكة العربية السعودية عن غيرها من التنظيمات الإدارية الأخرى في حاجتها للتغيير والتطوير بالشكل الذي يجعلها قادرةً على القيام بأدوارها الحيوية والمهمة في العملية التربوية والتعليمية، وكذلك قادرةً على تحقيق أهدافها بتفوق وإتقان مما يسهم في رفع كفاءة الأداء وزيادة الإنتاجية وتحسين نوعية المخرجات وتميزها، ومن هنا تبرز أهمية استقلال إدارات التعليم في المملكة العربية السعودية. فاستقلالية إدارات التعليم يعني تمكين مديري التعليم في المناطق والمحافظات من الاستقلال مالياً وإدارياً والانتقال من النظام المركزي إلى اللامركزي بما يتفق مع رؤية المملكة و 2030، فالاستقلالية تعني أن تكون إدارات التعليم لديها القدرة المالية والإدارية والتعليمية والفنية التي تمكنها من التخطيط والتطوير والتشغيل الذاتي ضمن نظام محاسبي ورقابي دقيق، وبهذا المفهوم فإن الاستقلالية تتطلب في المقام الأول توفر موارد مالية كافية يمكن استثمارها وتنميتها ويكون عائدها السنوي يغطي الموازنة السنوية لإدارة التعليم على الأقل، حيث تعتبر الموارد المالية واحدة من أهم الركائز الاستقلالية لإدارات التعليم. وتشير استقلالية إدارات التعليم إلى الحرية الممنوحة لتلك الإدارات لإدارة شؤونها الداخلية بتصرف ومنح الشخصية الاعتبارية لها والصفة المؤسسية التي تتمتع بالاعتبارات المالية والإدارية والقانونية. فاستقلالية إدارات التعليم مسألة ترتبط بمهام إدارات التعليم ومسؤولياتها ووظائفها وأداء هذه المهام والوظائف على الوجه الأفضل، حيث إن استقلالية إدارات التعليم لا تكمل إلا بتمكين إدارات التعليم على الإدارة الذاتية لمكونات أدائها الوظيفي العلمي والإداري والفني والمالي وذلك لارتباط هذه المكونات بعضها ببعض في تفاعلها وتكاملها الوظيفي، أما استقلالية الأداء المالي فيتمثل بوجود استقلال مالي فعلي لإدارات التعليم في ميزانيتها ومصادر تمويلها المشروعة؛ إذ إن توفر المصادر المالية الكافية يحرر إدارات التعليم من قيود المركزية، في حين أن استقلال الأداء الإداري تتمثل في منح إدارات التعليم الحرية في إدارة شؤونها الإدارية والتخلص من الصيغ المركزية والتصرف في مواردها البشرية والمادية وفي تخطيط برامجها التعليمية والتربوية والخدمية وتقرير سياساتها تجاه تعيين واستقطاب كوادرها البشرية دون تدخل خارجي، مع الوعي بأن هذه الاستقلالية ليست مطلقة لكنها بالقدر الذي يمكن إدارات التعليم من أداء رسالتها وبالتالي فإن الاستقلالية في الجانب الإداري والمالي قد يكون أكثر يسرا وتهيئة وذلك من خلال وضع أطر عامة لإدارات التعليم أو تفويض الصلاحيات فيها لإدارات التعليم في اتخاذ القرار وبالتالي تحقيق المطلوب في وقت قياسي، إلى أن تقوم إدارات التعليم بتطوير لوائح وأنظمة داخلية لآليات اتخاذ القرار لتحقيق نموٍّ نوعي وكمي متميز من خلال الأهداف والسياسات والبرامج التي تركز على نوعية التعليم والارتقاء بمستواه. وكما أن تمكين إدارات التعليم يساهم في تسريع الكثير من القرارات التطويرية على مستوى إدارات التعليم وتخفيف من الأعباء المالية والإدارية على وزارة التعليم. والاستقلالية بلا شك تقود إلى خلق جو من الإبداع والمنافسة بين إدارات التعليم ومحاولة التفرد والتميز في مجال أو أكثر، وكذلك انعتاق إدارات تعليم من النسخ المكررة، إلى إدارات تعليم ذات هوية خاصة تميزها عن غيرها. مبررات استقلالية إدارات التعليم تتوفر عدة مبررات ملحة تفرض ضرورة استقلالية إدارات التعليم، ومنها: - أنها تعتبر من أولى الخطوات نحو تحقيق أهداف التعليم في برنامج التحول الوطني 2020 و تحقيق التزامات قطاع التعليم تجاه رؤية المملكة 2030. - تماشياً مع لقاء قادة العمل التعليمي المنعقد في الفترة 11-12 مارس 2018م في مدينة ينبع تحت عنوان ( تمكين إدارات التعليم). - استجابة لتوصية لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس الشورى على استقلالية إدارات التعليم إدارياً ومالياً. - النمو المتزايد في أعداد المؤسسات التعليمية والطلاب والطالبات في المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة أحد أهم الإنجازات التي تحققت لها من الناحية التنموية وهو ما ترتب عليه زيادة في حركة العمران في كافة أنحاء البلاد وازدياد رقعة البلاد والحاجة إلى وصول التعليم إلى كل هذه المناطق، وهو ما تحقق للمملكة بفضل الطفرة الاقتصادية ووفرة الإمكانات المادية، مما ترتب عليه المزيد من الأعباء الإدارية على وزارة التعليم واستحالة استمرار المركزية في صورتها القديمة، وبالتالي فهو أيضًا يعتبر أحد أهم التحديات التي تواجه مستقبل تطوير التعليم وتقف أمام ما يطمح له أي نظام تعليمي لتحقيق الجودة والتميز التعليمي. - الاتجاه نحو تطبيق استقلالية إدارات التعليم والتوسع في تطبيق اللامركزية أمر محمود، إلاَّ أنه يحتاج إلى ضوابط تنظمه، وبالطبع فإن لكل منطقة ومحافظة في المملكة العربية السعودية لها ظروفها الخاصة التي بموجبها توضع الضوابط حيث تتباين الإمكانيات، وتختلف النظم الاجتماعية، والتو جهات الثقافية، والأهداف الاستراتيجية لمدخلات ومخرجات العملية التعليمية. - ما تضمنته أهداف الخطة الخمسية التاسعة والعاشرة للتنمية في المملكة العربية السعودية ضرورة مواصلة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والمؤسسي وتطوير الأنظمة ذات العلاقة برفع الكفاية وتحسين الأداء والعمل على ترسيخ مبدأ الاستقلالية الشفافية والمساءلة. - اتخاذ السبل الكفيلة لزيادة الفاعلية التنظيمية، ورفع كفاءة أداء الأجهزة الحكومية والعاملين فيها، وتسهيل مسارات العمل ونظمه المتبعة وتحسينها، وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين من قبل الأجهزة الحكومية، وتطوير الكفاءة الداخلية والخارجية للأجهزة الحكومية. - تأتي استقلالية إدارات التعليم ضمن الأسس الاستراتيجية لوزارة التعليم، ويكون ذلك بإعدادها وتهيئته لممارسة استقلال تربوي ومالي وإداري أكبر، وأن تكون مسؤولة عن دعم تطوير المدارس الواقعة ضمن نطاقها، ومسؤولة عن تطوير التعليم في منطقتها التعليمية من خلال منحها الصلاحيات اللازمة لوضع خطط تطويرية على مستوى المنطقة بصورة تضمن منح الطلاب كافة فرصة التعلم وتحقيق النجاح. - قامت وزارة التعليم بصياغة رؤية واستراتيجية وطنية لتطوير التعليم في المملكة مدعومة بخطة تنفيذية زمنية. وقد تنبهت الوزارة في مشروعها إلى أن المركزية الكبيرة في قطاع التعليم تعتبر أحد أكبر التحديات والمشكلات التي تواجه التعليم في المملكة العربية السعودية، ولذلك جاء ضمن المنطلقات والأسس الاستراتيجية لدعم مسيرة التطوير الحالية: إعادة هيكلة قطاع وزارة التعليم ليصبح لا مركزيًا ونشطًا ومنظمًا من خلال منظومة تكاملية يتضح فيها الدور التشريعي والتخطيطي والتنظيمي والتنفيذي والرقابي. خلق نموذج متوازن بين المركزية المطلقة في التعليم) الواقع (واللامركزية المطلقة في التعليم: تتجه السياسة نحو تطبيق نموذج متوازن يحول مستوى معينا من الصلاحيات لإدارات التعليم مع تحديد وظائف أخرى أساسية للجهاز ا لمركزي وإشراك جميع الجهات المعنية في القرارات لزيادة الكفاءة والفعالية في عمل النظام التعليمي وتعزيز المحاسبية والمساءلة والأخذ بنظام للحوافز يكافئ الابتكار ويشجع التطوير ويحقق فرص النمو المهني المستدام على مستوى إدارات التعليم. - تحقيق انعكاس أثر ممارسات استقلالية إدارات التعليم ونتائجها على توجيه قرارات التطوير. - التحول من المركزية إلى اللامركزية المتوازنة من خلال تحويل وتعزيز الصلاحيات والمحاسبية لإدارات التعليم واستخدام مؤشرات الأداء لقياس التطوير وتفعيله. - زيادة الاستقلالية المالية والإدارية والتنظيمية المعززة للمسؤولية للتحول إلى منظمات متعلمة. - تعزيز الجهود الذاتية، وتوطيد العلاقة بين إدارة التعليم والمدرسة والمجتمع المحلي. - يمكن استقلالية إدارات التعليم أن تكون إدارات التعليم سباقة ومبادرة لدعم المشاريع والأعمال الرائدة. - يفرض اقتصاد المعرفة على وزارة التعليم ضرورة تحرير إدارات التعليم من أجل خلق أفكار جديدة ومنافسة تعزز الاستثمار في التعليم، وتوفر كوادر بشرية عالية التأهيل والتدريب - التوجهات الفكرية التي تؤكد ضرورة التوجه نحو تطبيق اللامركزية التي تسهم في تحقيق النوعية الكفاءة والفعالية التنظيمية، وتعد اللامركزية من أبرز الاتجاهات العالمية لتطوير المؤسسات التعليمية بمختلف أنواعها الذي أصبح بفلسفته وعملياته عرفاً تربوياً سائداً في الميدان التربوي في الدول المتقدمة والنامية لكونه مدخلاً تطويرياً شاملاً ومتكاملاً لجميع عناصر ومقومات بناء المؤسسات التعليمية تكفل لها تحقيق الترابط والتناسق الكامل بين عناصرها ومكوناتها.
مشاركة :