قررت الجزائر تقليص واردات الخدمات والتوجه إلى السوق المحلية بشكل اضطراري بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها، في تحرك اعتبره محللون متأخرا. وتخوض الدولة العضو في منظمة أوبك منذ ثلاث سنوات تقريبا معركة مفتوحة لكبح جماح فاتورة الواردات غير الأساسية ومواجهة تبعات الأزمة النفطية، التي تسببت في تراجع إيرادات البلاد بشكل غير مسبوق. وتأتي الخطوة ضمن سلسلة خطوات يطالب بها الحراك الشعبي لوقف إهدار المال العام بينما لا تزال البلاد تعاني من تركة ثقيلة خلفها حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة طيلة عقدين تمثلت في تفشي الفساد والبيروقراطية. وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية، نقلا عن بيان لرئاسة الحكومة، أن “واردات الخدمات تم التقليص منها بعد ارتفاع تكلفتها لتصل إلى حوالي 11.42 مليار دولار سنويا”. وذكر البيان أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نورالدين بدوي عقد اجتماعا للحكومة مع وزير المالية محمد لوكال لمناقشة التدابير التي يتعين اتخاذها لتقليص عجز ميزان المدفوعات من أجل الحفاظ على احتياطات البلاد النقدية. وتناول الاجتماع قطاع الخدمات، الذي يتضمن بشكل أساسي خدمات النقل البحري والأشغال العامة والبناء وكذلك الخدمات التقنية. وأشار البيان إلى المجالات الكبرى لهذا الصنف من الواردات، والتي تشمل النقل البحري، حيث بلغت قيمة المصروفات العام الماضي نحو 2.95 مليار دولار، وبلغ حجم الإنفاق على البناء والأشغال العامة نحو 2.65 مليار دولار، في حين بلغ الإنفاق على المساعدة التقنية نحو 3.22 مليار دولار. ونسبت الوكالة الرسمية إلى بدوي تأكيده على أن الحكومة عازمة على تقليص هذه الأعباء، التي تثقل كاهل الخزينة العامة من العملة الصعبة، في حين أن البلاد تحوز كل الكفاءات البشرية والقدرات المادية لإنجاز هذه الخدمات. وتماشيا مع هذا المبدأ وحفاظا على احتياطات البلاد من العملة الصعبة واستعمالها بصورة “عقلانية” قرر بدوي استغلال كل القدرات المحلية للنقل البحري للبضائع.وقال إنه سيعهد إنجاز هذه الخدمات “من اليوم وبدرجة أولى للمؤسسات العمومية والخاصة، وعليه تقررت إعادة تنظيم هذه الأنشطة بما يمكّن من تشجيع مساهمة الكفاءات الوطنية في هذا المجال للرفع من قدراتنا للتحكم في هذا الميدان، مهما بلغت درجة تعقيدها”. وعززت الجزائر النقل البحري خلال السنوات الأخيرة بعشر بواخر لم تدخل الخدمة حتى الآن، وبالتالي فإن القرار الجديد سيعطيها الأولوية في تجسيد عمليات الاستيراد الممولة من طرف الدولة وخاصة المواد الأساسية كالحليب والقمح. وانحنت السلطات في مايو الماضي لعاصفة العجز التجاري المتفاقم واتخذت عدة قرارات تهدف إلى تقليص الفاتورة السنوية للواردات. وقالت الحكومة حينها إن “القرارات تشمل كافة قطع غيار السيارات والمواد الأولية التي تدخل في صناعة التجهيزات الإلكترونية والهواتف الذكية”. وذكرت مصادر محلية لوكالة رويترز في وقت سابق هذا العام أن شركتين من القطاع الخاص تعملان في مجال صناعة الهواتف المحمولة تشتكيان من تقلص الحصة السوقية بفعل المنافسة من الواردات. ويقول خبراء ومسؤولون إن سياسة حكومة بدوي التي توصي بفرض قيود على الاستيراد يتوقع أن تؤتي أكلها في القريب العاجل، مع هبوط قيمة الواردات. ولكنّ شقا آخر استقبل كل تلك القرارات بالتشكيك في قدرتها على تجاوز الأزمة الاقتصادية سريعا بالنظر إلى ما تعانيه دول نفطية أخرى من أزمة مشابهة. ولجأت الجزائر، غير العضو في منظمة التجارة العالمية، إلى فرض قيود مشددة على الاستيراد وتحديد الكميات، التي يمكن استيرادها منذ بداية الأزمة النفطية منتصف 2014، لكنها لم تأت بأي نتائج تذكر. وفي البداية، منعت السلطات استيراد السيارات وحديد البناء والإسمنت، ثم توسعت إلى الموز قبل أن تعلن أن الأمر أصبح يخص كل المواد دون استثناء. وكان الاستيراد يتم منذ تحرير التجارة الخارجية في بداية تسعينات القرن الماضي، بمعاملة بنكية بين المتعامل الجزائري وممونه في الخارج دون الحاجة إلى تدخل وزارة التجارة. وتستفيد الدولة من تعافي أسعار النفط الخام عالميا والتي بلغت مستوى 70 دولارا للبرميل الواحد، ولكن جزءا كبيرا من إيرادات الطاقة يستخدم في تغطية تكاليف واردات السلع بسبب ضعف القدرات الإنتاجية المحلية. وتشكل مداخيل الطاقة 94 بالمئة من الصادرات، لكن كل الإجراءات السابقة لكبح الواردات لم تؤثر بشكل يذكر لأن قاعدة الصناعات التحويلية الصغيرة في البلاد لم تتمكن من إنتاج بدائل كافية. وتمثل الإيرادات النفطية مصدرا رئيسيا للتمويل الخارجي، للبلد الذي يعاني من تدهور احتياطات النقد الأجنبي، والتي تشير التقديرات إلى أنها أقل من 80 مليار دولار بعد أن كانت في مطلع 2014 عند مستوى 197 مليار دولار. وتتوقع موازنة 2019 أن تتراجع احتياطات النقد الأجنبي إلى 68 مليار دولار، مع اعتماد متوسط سعر برميل النفط عند 50 دولارا. وترجح الحكومة أن يسجل الاقتصاد نموا خلال العام الجاري بنحو 2.6 بالمئة، في ظل تقليص النفقات بنحو 1.5 بالمئة، وتوقّع تراجع في عائد نشاط إنتاج الطاقة.
مشاركة :