نعيش هذه الأيام طفرة في حضور الآكلين على كل الموائد. فهم يتكاثرون بشكل لافت، خصوصاً في الأزمات، فكلما كبر حجم الأزمة، كلما كان نهمهم وشرههم أكبر. هؤلاء مصابون بالمجاعة وهم شبعى، فلو دُكت بطونهم بأطنان من الأنعام لا يمكن أن يحسوا بالكفاية أو الاطمئنان ؛ لا يقودهم العقل، وإنما البطن (الجشع) وليس لهم علاقة لا من بعيد ولا من قريب بالأخلاق، بل إن هذه الكلمة محذوفة من قواميسهم الى الأبد. نجد على رأس الآكلين على كل الموائد بعض الإعلاميين والكتاب والمثقفين والأكاديميين، يتصفون بالحربائية، ويجمعهم حجم عوائد هذه الموائد التي تمت حسبتها بدقة متناهية قد لا تدع في كثير من الأوقات مجالاً للصدفة ؛ كما أن خطابهم مزدوج فلا يتورعون أن يقولوا اليوم شيئاً، وغداً يقسمون بنقيضه. الآكلون على كل الموائد طفيليون يحضرون ويتقدمون ويتحدثون ويتنادون حتى لو لم ينادهم أحد ليدلوا بدلوهم. هم كائنات حيّة تعيش على الباطل وتكره الحق كرهاً شديداً، ولا تريد حتى أن تراه ؛ موائدهم الأكاذيب والدعايات المغرضة، ولا يسقي ظمأهم الا المستنقعات الآسنة. الآكلون على كل الموائد خطابهم خشبي ولغتهم خشبية يحاولون ان يقنعوا الآخرين بأفكار وأطروحات غارقة بالوهم ومفصولة تماماً عن الواقع ؛ كما يعمدون أيضاً الى تسخير كل طاقاتهم لتطويع الآخرين ومحاولة قيادتهم وتوجيههم نحو مقاصد وأهداف معديّ وطباخي هذه الموائد. المملكة العربية السعودية اليوم، بقيادتها للتحالف العربي وبتدخلها العادل في اليمن، تعيش حالة تاريخية من انكشاف وتعرِّي مجموعة من السياسيين والكتاب والإعلاميين الذين أكدوا لنا (لكي لا أقول فاجأونا) بأنهم أساتذة وعرَّابو فن الأكل على كل الموائد، فالأزمة الحالية ساعدت وأسهمت على أن يضيق هامش مراوغتهم وتلونهم، فبفضل هذه الأزمة أُجبروا وكانوا ملزمين بأن يخرجوا من مناطقهم الرمادية، وينكشف قبحهم وتنكُّرهم لمواقفهم السابقة التي أوهموا بها البعض بأنهم يحملون رائحة من الأخلاق. لقد انتهت صلاحية مثل (كلب ينبح لك ولا كلب ينبح عليك) فكلهم في النفاق سواء ؛ ولا يمكن أن يعيد التاريخ نفسه في أن نبتاع الوهم والولاء المزيف. انه زمن قبول واستيعاب النقد والاختلاف، من أية جهة كانت، شريطة أن يرتكز هذا النقد وهذا الاختلاف على مفاهيم المصداقية والاحترام المتبادل. A1250@hotmail.com
مشاركة :