ثقافة الاعتذار، وتقديم الشكر والامتنان

  • 8/15/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الاعتذار حال الخطأ ثقافة يتغافل عنها كثيرون، وتقديم الشكر والامتنان اللائقين، اعترافا بجميل صنيع ما يقدم إلينا من خدمات إنسانية، أو التشارك في أفعال ومواقف حميمة، هو قمة النضج الإنساني. لا توجد توازنات ومواءمات يجب وضعها في الاعتبار في مواقف كهذه، المخطئ عليه الاعتذار والتأسف على فعلته بلا جدال لتبرير فعل ما، والشكر كذلك لا ينبغي غض الطرف عنه، من لا يشكر الناس لا يشكر الله. جمال الرفض وفن الاحتجاج واجب إنساني تحتمه ضرورات الحياة، لكن دون نكران صنائع المعروف لمن حولنا. لم تكن صديقتي المطلقة حديثا بعد زواج دام أكثر من عشرين عاما تكن لزوجها مشاعر كراهية أو رفض، وإنما رفض هذا الرجل لثقافة الاعتراف بالخطأ وتقديم الاعتذار في حينه، وإصراره على كونه لا يخطئ مطلقا، خلقا بينهما فجوة باتت تتسع شيئا فشيئا حتى أصبحت هوة بعمق لا يمكن إغفاله أو التغاضي عن الحديث عنه ونكرانه. في الكثير من الأوقات ينكر دورها المحوري في حياته وحياة الأسرة والأبناء، ضاربا بما قدمته عرض الحائط ومرددا جملة جوفاء، فحواها “لم تضف لحياتي جديدا، انفصالنا حتمي”، التهديد بالرحيل والتخلي خلق لديها حاجزا نفسيا سميكا، ما مهد لتقبله عند وقوعه، وجعلها تستسيغ هذا الانفصال بسهولة. ممارسة الاعتذار ليست حقا فقط للمعتذر له، وإنما حق للمعتذر ذاته، في تخلص ذاتي من المنغصات البسيطة التي قد تعكر صفو الحياة، هو حق الدفاع المشروع أثناء الخطاب هذا الرجل لا يعترف بخطأ وهي حبا أو تسييرا للمركب، واستمرارا لحركة الحياة في الاتجاه السليم، كانت تغض الطرف عن أخطائه التي لا تنتهي، عن إهاناته وخياناته، وعنفه، تقدم الاعتذار سواء كانت مخطئة أو كان حقها مهضوما. تتجاوز عن الكثير من زلاته لتستمر الحياة، هو لا يملك ثقافة الاعتذار، لا يجيد تطييب الخاطر، وهي تفعل هذا طواعية إلى أن إستعذب الأمر، حتى بات حقا مكتسبا، وخلاف هذا هو الخطأ بعينه، يرتكن إلى كونها تعتذر وتصفح وتسامح، تقوم بعدة أدوار، رغم كونها من تتلقى الصفعة إلا أنها تسامح في حقها دائما. يعتقد أن الاعتذار عار، يملؤه بإثم الخطيئة لذا لا يسارع بتقديمه، ولا يقبل عليه مطلقا حتى لو كان مضطرا، التأسف على قهر زوجته وإيذائها الملموس، والنفسي والمعنوي، شيء يبعث على الخجل، وربما يوجب التحقير والإزدراء، لذا هو مشطوب من قاموسه كلية. تلك ثقافة لم يعتدها، فمنذ الصغر تربى على نهج تربوي مغلوط بأنه رجل، والرجال لا يخطئون، لا يعتذرون، لا يبكون، ليست لديهم لحظات ضعف إنساني، الرجال مخلوقات فوقية أرقى من النساء. هذا الرجل بظني، ضحية تربية متعالية على الآخر، تربية لا تعترف بالخطأ، حياة مراوغة، ثقافة مترددة بين الحق والأباطيل، متكبرة عن الإفصاح عن كونها إحدى أدوات الحياة، ومجرد مساهم بسيط في شراكة زوجية. لا توجد توازنات ومواءمات يجب وضعها في الاعتبار في مواقف كهذه، المخطئ عليه الاعتذار والتأسف على فعلته بلا جدال لتبرير فعل ما، والشكر كذلك لا ينبغي غض الطرف عنه، من لا يشكر الناس لا يشكر الله ممارسة الاعتذار ليست حقا فقط للمعتذر له، وإنما حق للمعتذر ذاته، في تخلص ذاتي من المنغصات البسيطة التي قد تعكر صفو الحياة، هو حق الدفاع المشروع أثناء الخطاب في البوح بما قد يشكل عائقا لمجرى سير بعض العلاقات، واحتقانها. الاعتذار، نوع من التطهر النفسي من أعباء من اليسير التخفف منها، اغتسال من الشوائب العالقة بالنفس البشرية، فن إنساني لا يجيده الجميع. الإعتذار بنظري يشبه عامل الإطفاء، الذي يتدخل في الوقت المناسب للسيطرة على الحرائق، ووأد الخلافات من جذورها. قد يمثل الاعتراف بالخطأ في حد ذاته عقبة كبرى أمام كثيرين، وقد تمثل رؤية الخطأ مشكلة إذ يرفض البعض الاعتراف بالخطأ،. لكن يبقى الأسوأ، وهو ألا يرى المخطئ خطأه من الأساس، وفي هذه الأثناء نفقد الكثير من العلاقات. وكذلك تقديم الشكر والامتنان، الاعتراف بالجميل، وشكر الآخرين، طاقة إيجابية تحفظ العلاقات الإنسانية نقية، مصانة بروابط أكثر متانة من روابط القرابة والنسب، ثمة علاقات قرابة تفرض علينا بحق الدم، تعلوها علاقات اخترنا أطرافها بحق الحب.

مشاركة :