أواصل اليوم استعراض بعض ما جاء في المحاضرة الممتعة التي قدمها الدكتور فهد السيندي في منتدى في نجران بجنوب المملكة العربية السعودية، وأعتذر للقارئ لأنني لا أعرف متى كان ذلك وهو اعتذار واجب لأن المحاضرة تحوي إحصاءات، والصحيح ان تكون أرقامها قرين تاريخ او تواريخ معينة، المهم أن الأستاذ الجامعي هذا تحدث في الجزء الأول من المحاضرة عن مليارات الساعات التي نهدرها أمام شاشات التلفزيون، وذكر ان نحو 150 مليون عربي يشاهدون فضائيات عربية غير مشفرة، أي لا تحتاج الى دفع مبلغ مالي لمشاهدة ما تبثه، بينما هناك 42 مليونا يتابعون القنوات المشفرة بعد دفع رسوم معلومة سنويا او شهريا لمشاهدة محتوياتها، (ومعظم القنوات التلفزيونية المشفرة التي يقبل عليها العرب هي «الرياضية» وبالتحديد تلك التي تنقل مباريات كرة القدم، في زمان صار فيه الولاء الكروي عند العرب إسبانيا وبريطانيا وإيطاليا، وبرازيليا). أورد السنيدي كثيرا من الإحصاءات الصادمة، ولكن أقساها على نفسي كان بلا صلة مباشرة بالبث التلفزيوني: العرب ينفقون خمسة مليارات دولار على السحر والشعوذة، ولعل معظمك سمع بالحكم الذي اصدرته محكمة سعودية قبل أعوام بإعدام رجل ظل يستخدم الفضائيات لتوزيع البركات والكرامات لاسلكيا: يتصل به شخص ما يشكو من علة ما فيقول له: أنت مسحور ودواؤك عندي.. اجلس أمامي وردد ما سأقوله: شيخن بيخن مناحين بيغن.. قل أعوذ برب الفلق.. وإياك واللحم والمرق، وشومار كومار فشار ممبار جرار.. أعوذ بملك الناس من الوسواس الخناس (لاحظ الخبث في حشو مقتطفات من الذكر الحكيم بين ذلك الكلام السخيف السقيم!)، وجاء المشعوذ هذا الى مكة لأداء العمرة واستغل «نجوميته» للتلاعب بعواطف وأموال السذج الذين عرفوه فوقع في قبضة السلطات الأمنية، وثبت للقضاء أنه ارتكب جرائم بشعة في سياق استغلال سذاجة بعض الناس، ولكنني فرحت لأنه تم اسقاط حكم الإعدام عنه لأن الموت خسارة في شخص كهذا، ولو كنت قاضيا لحكمت عليه بالحبس الانفرادي ستة أشهر فقط مع حرمانه من كل شيء: لا طعام ولا شراب ولا دواء، ليبث لنا قدراته الاعجازية في البقاء على قيد الحياة مستعينا بالجن الذي يزعم أنهم رهن إشارته. خمسة مليارات دولار يا حوش يا روش يا غجر يا تتر يا بقر تعطونها لأناس يزعمون أن لديهم القدرة على جعل ابن التسعين يتزوج بنت العشرين، وتحويل الماء الى بنزين ودقيق القمح الى بنسلين وورق الكلينكس الى ملايين؟ أفلا تعقلون؟ كم من أنثى تعرضت للتحرش على يد دجال دفعت له سبائك الذهب لتنال ببركاته المزعومة الذرية؟ كم من عانس أنفقت ما عندها وما ليس عندها بوعد الحصول على الفارس المنقذ؟ وتمر السنوات ولا يأتي الفارس ولكن الولي المبروك يقول ان السبب هو وجود «عارض»، وهي حالة هلامية لا يعرف حتى هو متى وكيف تزول.. المهم ان تواصل المسكينة سداد الفواتير.. وإمعانا في تجويد الحبك يؤلبها على من حولها: في واحدة طويلة وسمراء عملت لك عمل ولازم تحصلين على شعر من تحت إبطها وتضعينه في خلاط مع الحبة السوداء وقشر الموز ثم تمسحينه على وجهها (ببنج موضعي ام كامل يا شيخنا؟).. أو من هو الرجل السمين ذو العينين الصغيرتين الذي يريد بك سوءا؟ ويستمر الموال ويستمر العداد حتى تصبح المسكينة عانسا اجتماعيا وماديا. بـ5 مليارات نستطيع محو أمية كل العرب وتزويدهم بأعلى الدرجات، ولكن مصيبتنا هي ان اصحاب الدرجات العلمية الرفيعة أيضا يقعون في الشرك بالله لكون كثيرين منهم يعتقدون أن الشيخ بطيخ قادر على تغيير مجريات المقادير.. هذه هي الحقيقة بالضبط: إذا كنت تعتقد ان شخصا ما يستطيع ان يأتيك برزق او عروس او يمنع عنك البلاء فأنت تضعه في مرتبة الألوهية.. يعني المسألة ليست مسألة إهدار مال بل إهدار عقل وإيمان.
مشاركة :