يصادف اليوم 15 أغسطس ذكرى وفاة الأديب والدبلوماسي غازي القصيبي (1940 _ 2010) الذي رحل بعد سنوات كان فيها أحد أبرز رموز المشهد الثقافي العربي، وصاحب شخصية مضيئة وفريدة تشع بالحياة، جمعت السياسة والإدارة والأدب، كما كانت له في كل مجال بصماته الخالدة والمؤثرة التي لم تمحَ مع عوامل الزمن بل إن مؤلفاته تنافس على صدارة الكتب الأكثر مبيعاً في المكتبات ومعارض الكتاب. صاحب "العصفورية" و"شقة الحرية" و"حياة في الإدارة" استأثر بتجربة حضارية ورحلة زاخرة مر فيها بسجالات فكرية مع ما يسمى "الصحوة " حينما نصب رايته "في عين العاصفة" _ زاويته المقالية الأشهر_ . الملك سلمان والقصيبي خاض القصيبي غمار المهمات والمناصب منذ سن مبكرة في حياته، وروى موقفاً جمعه ذات مرة بالملك سلمان في الستينات الميلادية عندما كان في البحرين، وهناك زيارة رسمية للأمير سلمان والتقاه وكان القصيبي حينها في العشرينات من العمر، فتنبأ له الملك سلمان أن يصبح في يوم ما وزيراً، وكان الملك على حد وصف القصيبي يكبره بالعمر بعامين أو ثلاثة، وتوسم فيه ما يؤهله للمناصب الرفيعة مبكراً، وقال: "لم ألتقه في الإمارة شاءت الظروف أن ألتقي به في البحرين، كنت في ذلك الوقت أعمل في لجنة السلام باليمن وهو يزور البحرين زيارة رسمية وكان عمري حينها 25 عاماً"، ومن الموقف يتضح بعد نظر الملك ومعرفته بالرجال الأكفأ للمناصب القيادية للدولة. وعندما سأله ذات مساء من عام 1999 الدكتور محمد رضا نصرالله في برنامجه (وجهاً لوجه) عن علاقته كمثقف بالسلطة فأجاب: "هناك وهم شائع في العالم العربي أو العالم الثالث وربما في كل مكان أن علاقة المثقف بالسلطة يجب أن تكون علاقة تصادمية أو ديالكتيكية متعلقة بالنزاع والصدام"، وأضاف: "أنا أعتقد أن هذا يحصل عندما تكون السلطة قمعية، وعندما تكون السلطة شمولية". وبين القصيبي في معرض شرحه أن السلطة عندما تكون نابعة من الشعب تتمتع بثقة مثل نظام الحكم في السعودية، فليس هناك أي مبرر للصدام، "وأعتقد أن هذا الصدام وهمي". وأوضح القصيبي أن هناك كثيرا من الناس يسألونه: "كيف تجمع بين كونك مثقفا وكونك مسؤولا؟ كيف تستطيع أن تجمع بين الماء والنار"؟، فيرد أنه لم ير هذه الإشكالية ولم يعانِ منها.. ولا يتذكر طوال حياته العملية أنه فرض عليه اتخاذ قرار واحد أو قيل له اعمل هذا الشيء ولا تعمل ذاك. وتابع: "بطبيعة الحال هناك انضباط وتعليمات متبعة ولكن لم يفرض علي شيء يخالف ضميري، وأيضاً وجدت الأبواب مفتوحة والآذان مصغية". الموهبة أم الوظيفة؟ وفي مقام آخر، أكد القصيبي عبر حوار مطول في "MTV" أن الموهبة هي التي تخلد الإنسان وليست الوظيفة التي تفرض عليه القيود، وقال: "أنا حاولت أن أكون منضبطاً في عملي ويجب أن أكون منضبطاً وفي نفس الوقت صادقاً مع موهبتي، وعندما ينعم الله على الإنسان بموهبة حرام أن يهدرها"، وبين القصيبي أن الإنسان إذا تنكر للموهبة باسم الوظيفة أو الضغوط الاجتماعية والمسؤولية لن يذكره التاريخ. وصنف القصيبي نفسه بأنه شاعر كلاسيكي رومانسي وواقعي ولا يعتبر نفسه شاعرا عظيما. في حين اعتبر أن مهنة التدريس هي أنبل المهن وعمل محاضراً في بداية حياته بالجامعة إلا أنه تذمر لعدم وجود طاولة لديه لمدة عامين. الشعر الشعبي القصيبي في رواية "أبو شلاخ البرمائي" كتب عدداً من القصائد الشعبية باللهجة المحكية حملت موضوعات طريفة تعكس خفة الظل وسرعة البديهة التي كان يتمتع بها، إلا أنه في حواره مع صحيفة "القبس" الكويتية عام 2003 رد على سؤال عن موهبته في كتابة الشعر المحكي قائلاً: "كتابة الشعر النبطي شرف لا أدعيه وتهمة أدفعها بشدة، كل ما هنالك أني لاحظت أن عدد الذين يكتبون الشعر النبطي يكاد يزيد على عدد الذين يقرأونه ومعظم هؤلاء، أعني الكاتبين لا القارئين، لا يتمتعون بأي موهبة تتجاوز رصف الكلمات. أحببت أن أشير إلى هذه الظاهرة العجيبة، بطريقة خفية أو خافية، فقال أبو شلاخ ما قاله من شعر ركيك!". كما ذكر في نفس اللقاء أن من الأسماء الأدبية السعودية التي لفتت ذائقته الأدبية في الشعر جاسم الصحيح وأشجان هندي وفي الرواية محمد علوان.
مشاركة :