لم يتزوج ولم ينجب، وعاش حياته طولا وعرضا للغناء ولنفسه،لكن اسمه ظل خالدا باعتباره فارس الطرب الأصيل وحامل راية الغناء المصري. إنه الفنان صالح عبدالحي، الذي لا يعرفه الكثيرون من الشباب، واختلف البعض قديما بشأن تاريخ ميلاده، فمنهم من يقول إنه ولد عام 1889 وهناك من يقول أنه ولد في عام 1896. ويسرد الشاعر والباحث المصري محب جميل سيرة المطرب صالح عبدالحي، أحد أبرز وجوه الطرب الشرقي في مصر والعالم العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين، في كتابه الجديد “صالح عبدالحي فارس الطرب”. الكتاب من إصدار جمعية “عِرَبْ” للموسيقى في بيروت بالتعاون مع الصندوق العربي للثقافة والفنون “آفاق” وتقديم الناقد الموسيقي العميد أسعد مخّول، صاحب الإسهامات الواسعة في كتابة السير الفنية.لمع اسم صالح عبدالحي كواحد من أبرز النجوم في عالم الطرب خلال النصف الأول من القرن العشرين. فقد حصد شهرة واسعة داخل البلاد وخارجها وكان من أعلى النجوم أجرًا خلال رحلته الفنية التي بدأت مع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 وذلك بالغناء في أحد الأفراح الشعبية بالقاهرة، واشتهر بأغنيته “ليه يا بنفسج”. وبالرغم من تلك الشهرة الواسعة التي حصدها وكونه واحدا من الأصوات التي انطلقت عبر أثير الإذاعة الحكومية المصرية في يومها الأول، ابتعد عن أضواء الشهرة مع نهاية الخمسينات من القرن الماضي بعد أن امتلأت الإذاعة بأصوات جديدة وتبدّل الذوق العام في المجتمع المصري ليدخل في حالة من العزلة بعد أن اشتدّ عليه المرض. والكتاب لا يعدّ محاولة فقط لرصد السيرة الخاصة بصالح عبدالحي بل إنه أول محاولة لسرد سيرة الفنان، وإلقاء المزيد من الضوء على الحياة الفنية والمجتمعية في مصر من الحرب العالمية الأولى حتى بداية الستينات من القرن الماضي، وذلك من خلال تتبع شكل الأفراح عند طبقات المجتمع المصري، وكذلك تبدّل الذوق العام للأغنية خلال تلك السنوات. وعبر رحلة شيّقة، يأخذ الباحثُ القارئَ في جولة ممتعة تبدأ من طفولة المطرب مرورًا بدخوله الوسط الغنائي وعالم الأفراح والسهرات الغنائية، وصولاً إلى تسجيله العديد من الأسطوانات التجارية (78 دورة) ومشاركته في المسرح الغنائي حتى صار من الكبار في دنيا الطرب. ولا تكمن أهمية الكتاب في سرد السيرة الحياتية والفنية للمطرب الراحل، بل في محاولته رسم صورة شاملة حول طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية وشكل الأفراح والطبقات المجتمعية في مصر منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، وذلك من خلال تتبع دقيق للمذكرات والوثائق والدوريات الفنية والمراجع والصور الفوتوغرافية النادرة التي أثرتْ النصّ.
مشاركة :