لا شك أن كثيرًا منا قد لاحظ هوه في التفكير بين جيله وجيل أبنائه؛ وذلك عند تناول قضية علمية تخضع لإعمال العقل فيها، ولا أعنى بالهوه كثرة المعلومات، كما لا أعنى بها طريقة الحصول على المعلومات، فإن هاتين النقطتين لا تتعديان الفرق في التطور الطبيعي لتقدم الأجيال .. ولكننى أعنى بالهوه ما هو أكبر من ذلك وأبعد؛ الهوه هنا هى الأسس والاعتبارات التى يعمل من خلالها العقل، وهى التى ينطلق من خلفها الفكر،.. دعنا نبسط القول.تخيل أن حوارًا قد نشأ بين جيل سابق والجيل الذى يليه حول قضية ولتكن "نزول المطر":الأبن سيذهب إلى أن المطر عبارة عن تجمع هائل لبخار المياه المتصاعدة من المسطحات المائية المختلفة ومن التربة، ويتكون على شكل سحاب وغيوم، ثم يتعرض لعوامل مختلفة من درجات الحرارة الباردة وإتجاه تيارات الرياح؛ فيؤدى لتكثيف البخار وسقوطه على هيئة قطرات ماء، وهى المطر. وأن الذى يتحكم فى الأمطار عوامل متعددة منها التسحر والإرتفاع النسبي لدرجات الحرارة، وما إلى ذلك.الأب سيقسم المسألة إلى قسمين:- أولهما أن المطر بيد الله سبحانه وتعالى يتحكم فيه كيف يشاء، ولا قدرة لنا على إنزاله أو التحكم في مكانه.- والقسم الأخر يُعرف بآلية إنزال المطر، وهى ما سرده الإبن البار ولا خطأ فيها، ومن ثَم فالتعلق بالرحمن ضرورى لنيل خير السماء والأرض، وصلاة الإستسقاء وما تحويه من دعاء وتزلل لله مشروعه، وترك الذنوب والإستغفار أمر رئيس يجب أن لا يتم تجاهله عملًا بقول سيدنا نوح إلى قومه "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا" .. ما سبق هو من عقيدة المسلم، أما ابننا المظلوم فمنطلقه كان من الفلسفة الوضعية!!الفلسفة الوضعية بإختصار شديد للغاية هى: أن مالا يمكن إثباته بالمعمل فهو غير موجود، وقد طرح الفيلسوف الإنجليزى سير ألفريد آير – Sir A.J.Ayer عام 1936 الفلسفة المنطقية Logical Positivism ، كفرع من الفلسفة الوضعية.وتقوم هذه الفلسفة على مبدأ التَثَبُّت – The Verification Principle ، الذي يرى أن قبول أي افتراض أو مسألة، يتوقف على القدرة على إثباتها أو نفيها عمليًا بالتجربة، أو رياضيًا، أو منطقيًا من خلال المدلول المباشر للألفاظ التي تشرح هذا المفهوم. ومن ثَمَّ، فلا معنى لأي افتراض أو مسألة تقع خارج نطاق العلم التجريبي أو الرياضيات أو المنطق المباشر.وبالعودة إلى الفلسفة الوضعية فإن مفاهيمها تتمحور في أن الإله أو الروح أو التدين أو الإلحاد لا تعنى شيئًا، إذ لا يمكن إثبات خطئها أو صحتها تجريبيًا أو رياضيًا أو منطقيًا. لذلك فإن مقولة مثل "الله موجود" لا معنى لها، ومن ثَمَّ يتساوى أمام العقل أن يموت الإنسان مؤمنًا أو ملحدًا.هذا ما يتعلمه الجيل المظلوم عند بدء دراسته في أى فرع من فروع العلم في الجامعات المتغربة، أو حتى المدارس المتغربة، تحت مسمى طريقة البحث، واسلوب التفكير العلمى، وما إلى ذلك من مسميات ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قِبّله العذاب.وبالرجوع إلى الجيل السابق وما قبله فأول ما كان يتعلمه الطفل هو القرآن الكريم وعلومه، ومن ثَمّ يتربي الطفل لايرى في الكون فاعلًا حقيقيًا إلا الله سبحانه وتعالى.والسؤال الآن أيها القارئ المحترم: هل يُخاف على مثل هذا الطفل من أى علم يتعلمه بعد ذلك؟الإجابة: متروكة لك.ورغم أن عصر الفلسفة الوضعية المنطقية قد مات ودُفِن؛ عندما يعلن مُنَظِّرها الأكبر "سير آير" في خمسينيات القرن العشرين أن هذه الفلسفة ملأى بالتناقض، بالرغم من أنه قضى السنوات الطوال في معالجة أخطائها، إلا أن هناك من له إرب في أن تظل هذه هى أساس الفكر في العالم الإسلامى!!فهل يفيق القائمون على الأمر لمثل هذا الأمر الخضم، أم أن الأمر لا يشكل شيئا لديهم، اللهم ارحم أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وردها إليك ردًا جميلًا، فإنك ولى ذلك والقادر عليه.
مشاركة :