قرأت قبل سنوات بحثًا لعالمين استراليين طرحا فيه لأول مرة فرضية تحلي الحشرات بالوعي والإدراك، وهذه الفرضية لم تشمل الحشرات فقط، بل وحتى الجمادات. هل مررت يومًا بتلك التجربة الغريبة عندما تحوم حولك ذبابة أو نحلة، وتحاول إبعادها وتعود في كل مرة وكأنها أقسمت على إزعاجك، وكلما أصررت على إبعادها أصرت هي على العودة لتطنطن قرب أذنك؟ ألم تتساءل مرة هل قامت تلك الحشرة اللعينة والمتعجرفة بإزعاجك عن قصد؟ هل هي فعلا واعية؟ هذا السؤال تناوله بطريقة علمية هذان العالمان، فقد استعانا بآخر الأبحاث في التصوير العصبي ليؤكدا في النهاية أن أغلب الحشرات ليست آلات بيولوجية لا عقل لها، وأن تلك الحشرات قد تكون ذات وعي بالعالم ووعي بذاتها ووجودها. ونحن عندما نشعر بالجوع لا نبحث فقط عن الطعام، فالجوع إحساس فريد وتتكون عند الكائن الحي تجربة ذاتية عند ارتباط حالاته الذهنية بإحساس ما. والكثير من الحشرات تملك فعلا هذه التجربة حسب الدراسة. وللتوصل إلى هذا الاستنتاج، انطلق الباحثان الأستراليان من تركيبة الدماغ لدى الإنسان وحيوانات فقارية أخرى، وتوصلا بعد تحليل دماغ حشرات عديدة بواسطة آخر تقنيات التصوير العصبي أن دماغ الحشرات يقوم بعمل مماثل لاشتغال الدماغ المتوسط لدى الإنسان. فمخ الحشرة يجمع المعلومات من البيئة المحيطة بها ومن ذاكرتها ومن جسمها للعمل على تنظيم نشاطها. وقد تعلمنا نحن منذ الصغر أن الإنسان هو سيد المخلوقات، وهبه الله العقل وميزه عن سائر مخلوقاته بأنه يفكر وينتج ويتطور بعكس آلاف الحيوانات والحشرات التي ظلت على حالها منذ أن خلقها الله قبل آلاف السنين. لكن هذه الحيوانات والحشرات ألهمها الله سبحانه وتعالى أمورًا كثيرة للحفاظ على حياتها، بل وأعطاها من الدقة في العمل والإستغلال الأمثل للوقت الذي علينا نحن البشر أن نتعلم منها ونستلهمها ونستفيد منها. ولنأخذ مثالا النحلة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله: «وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون». وقد استنتج العلماء أن الساعة البيولوجية التي توجد في الحيوانات والحشرات هي قديمة قدم هذه الحيوانات والحشرات، وأن الخالق العظيم سبحانه قد وهبها لجميع المخلوقات ولم يحرم منها كائنا من كان حتى لو كان هذا الكائن وحيد الخلية كما دلت على ذلك الأبحاث الحديثة، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أهمية الوقت في حياتنا وحياة جميع الكائنات الحية. ولله في خلقه شؤون.
مشاركة :