في أحد مولات دبي، التقت باميلا كسرواني بسفيان سي مرابط ليتحدث عن منصته، «العربي الحائر»، وعن مشواره بالبحث عن الهوية العربية من خلال مشاريعه الفنية البصرية وتواجده على شبكات التواصل الاجتماعي. لا عجب أن تكون مسألة الهوية في قلب تساؤلات سفيان سي مرابط والموضوع الذي اختاره ركيزة عمله. فهو الفرنسي من أصول جزائرية الذي ولِد وعاش في فرنسا وكبر في التسعينيات مع الفضائيات العربية ما زاد حبه للثقافة العربية. وهو الذي درس العلوم السياسية وحلم بأن يصبح سفيرًا ليتحطم الحلم ويدرس الأعمال ويدخل عالم الرفاهية ما حمله إلى العمل في عدد من الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسعودية، والجزائر. ولكن بعد أكثر من عشر سنوات في مجال التسويق، وجد أن سؤالاً يتردد في باله «ماذا بعد؟» وشاءت الظروف الشخصية أن ترك عمله وسافر لمدة ستة أشهر ليوطّد حبه للمنطقة العربية وليتأكد من أنه يريد العيش فيها. وكان الجواب نعم. وهنا يخبرنا «عدت إلى المنطقة وبدأت أعمل مستقلاً وأفكر بمشروعي [«العربي الحائر»] المرتبط بأسفاري، لأنني أينما ذهبت اضطررت إلى شرح لهجتي التي يُطلق عليها البعض «اللغة البيضاء» إذ إنني كنت أجمع بين لهجات عدة كأنني ألعب على الهوية…» هذا التنوع في اللهجات وتساؤلات «العربي الحائر» في الحقيقة لم تزد من حيرته لا بل على العكس ساعدته على أن يعرف نفسه أكثر.. وأن يُعرّف عن الهوية العربية بشغف أكبر. بالنسبة لسفيان، «العربي الحائر هو مجموعة مشاريع حول الهوية. من الصعب أن يكون الواحد عربيًا في هذه الأيام بسبب التطورات المختلفة في المنطقة. وسواء كنت تعيش في بلد عربي أو في المهجر، تشعر أن العشرين أو الثلاثين عامًا الماضية، كانت صعبة وعمّت حالة من الفوضى، ليس فقط بين بعضنا البعض ولكن أيضًا بطريقة نظر الناس إلينا». ويتابع «العربي الحائر هي مجرد وسيلة لنرى أن لدينا حضارة غنية وتاريخًا ثريًا وغنيًا بالذكريات فيما الناس لديهم صورة سيئة عنّا حتى أننا ننظر إلى أنفسنا بسلبية». كل واحد منا لديه أفكار مسبقة عن الدول العربية الأخرى أو حتى أن البعض لا يعتبرون أنفسهم عربًا ويتساءل سفيان «إذا ذهبت إلى أمريكا الجنوبية والتقيت مكسيكي أو كولومبي، فسيُعرّف عن نفسه «أنا لاتينيّ» أو إذا التقيت سويدي أو إسباني أو برتغالي، يقول «أنا أوروبي»… ولا يعود ذلك لأسباب إثنية لا بل هو وليدة تاريخ وثقافة مشتركة..» وهذا هدف «العربي الحائر» الذي هو منصة رقمية انطلقت عام 2017 عبر حساب على انستغرام وتطوّر إلى موقع وعدد من المشاريع ليجعل العرب يتعرفون على بعضهم البعض. يريد سفيان من حساب إنستغرام أن يخلق مجموعة من الناس يتبادلون الأحاديث ويتواصلون مع بعضهم البعض. فيلجأ إلى ميزة «القصص»، ليُطلق نقاشات مختلفة مثل نقاش حول مصطلح «نميمة» في مختلف اللهجات العربية أو حوارات حول نجمة داوود التي ليست مجرد رمز إسرائيلي لا بل مسلم ومسيحي أو حول الشطّاف وهو قصة قديمة وإنما تحوّلت إلى ثقافة وهوية… باختصار، يريد من قصصه على إنستغرام أن تكون مرتبطة بالهوية وأن تُحاكي كل فرد من متابعيه. لكن سفيان لا يكتفي بإطلاق الحوارات في العالم الافتراضي لا بل أيضًأ في العالم الواقعي من خلال مشاريع تنقلت بين دبي، لندن، جدة. فعلى سبيل المثال، مشروع «حمام الغد» هو إعادة إنشاء صالون تجميل على كوكب اكتُشف حديثًا في المستقبل. واختار سفيان الحمامات لأنها أماكن مركزية في المدن العربية، فهي أماكن حميمة وعامة على حد سواء، يتخيّلها المستشرقون وينتقدها المتطرفون. أما مشروع «هوا سيتي» فهو نظرة مختلفة عن المطارات كمساحات خالدة وبلا حدود. ويضم المشروع غرفَتين: الأولى عرف عنها بـ «البوابة المعلقة» والثانية بالـ «ماسح». تركيبات فنية يصممها وينفّذها سفيان اعتمادًا على ما تحمله الثقافة والعادات العربية ونظرته الخاصة بالمستقبل. كما أنه انطلق في مشروع «دليل المدن» الذي سيجول على مدن عربية عدة حيث يخبرنا أن «لا مدينة عربية مفضّلة على قلبه لأنها جميعها مختلفة». يطول الحديث مع سفيان حول الهوية والحيرة والمجتمعات العربية، لتجد أن هذا الشاب الذي يتميّز بطلة أوروبية وبمظهر عربي هو تجسيد لكل الأعمال الذي يقدمها: التعددية والتنوع والانفتاح- ميزات تنعكس في أعماله وفي شغفه بأن يولّد نقاشًا واسعًا بين العرب أينما كانوا. فـ «العربي الحائر» حوّل مفاهيم مثل الهوية والنوستالجيا إلى مصدر وحي للمستقبل وجعل من الحيرة مفتاحًا للفضول والإبداع وركّز على أننا كعرب مختلفين وإنما متشابهين في الوقت ذاته وأن الوقت حان لولادة عربية جديدة.
مشاركة :