جاء تناول المجلة العربية لموضوع الفلكلور والموروثات الشعبية في ملفها الخاص الذي يحمل عنوان (الفلكلور.. وعاء الحضارات) في عددها 460 بمثابة ندوة تبارى أصحابها في محاولة جادة للفت الانتباه إلى قضية ثقافية فكرية تندرج تحت القضايا الثقافية الملحة التي تبرز بشدة في ظل التحديات المتسارعة التي ربما يصعب متابعتها من جديدها المتوالي. أهمية الحفاظ على الفلكلور والموروثات الشعبية يكمن في أنها جزء لا يتجزأ من المكان وتاريخه خرجت من صلب التقاليد وبنية البيئات وكما قيل (من ليس له ماض ليس له مستقبل)، ولا يتنافى الاهتمام والحفاظ على العادات والتقاليد والموروثات مع الأخذ بأساليب التكنولوجيا الحديثة ما دام ذلك يصب في خير الفرد والمجتمع. شاءت أقدار الله أن أمكث عامين في السودان الشمالي، وليس من رأى كمن سمع، فثمة عوامل كثيرة حالت دون ذوبان السودان في محاولات تغريبه رغم ما مر ويمر به تحتاج إلى صفحات مبسوطة، على رأس هذه العوامل تدين أهل السودان وتعاطفهم وتلاحمهم الملموس، ومنها حفاظهم على موروثاتهم الشعبية والقبلية الراسخة حتى الآن حية نابضة؛ حتى أنهم يستدعونها في كل مناسباتهم الاجتماعية والحياتية، بل وأكسبتهم وقاء ثقافياً وإن كان المقام لا يتسع للبسط ولكن حسبنا من ذلك دلالة على الكلام السابق هذه المقتطفات من الموروثات السودانية. ظاهرة النفير وتسمى أيضاً الفزع، من الظواهر المتأصلة في المجتمع السوداني، وتتمثل في أن المجتمع هناك يتحول إلى رجل واحد في المواسم الحياتية من عادات اجتماعية ومعيشية، مثل الزواج والجنائز ومواسم الزراعة والحصاد ومواسم الكوارث المتمثلة في الأمطار الغزيرة التي تتميز بها هذه البيئة، فتجد الجميع يهرع للنجدة والمساعدة ومد يد العون سواء في الفرح والحزن. مواسم الزراعة والحصاد وما يتخللهما من خدمة لها من الطقوس المتوارثة الممتدة على تنوع البيئات السودانية في مناطق النيل الأزرق والنوبة وجبال كردفان وغيرها، حيث يتم عمل احتفالات ذات طابع بيئي متوارث من مئات السنين عبر موسيقى حية بحياة البيئة ورقصات وطقوس لم تفلح السنين المتعاقبة أن تمحوها أو تطمسها مثل موسيقى الوازا والكمبلا وغيرها عبر آلات خاصة تصنع من مكونات البيئة نفسها علاوة على أن الطقوس والحركات ترمز لجريان الأنهار وتدفقها ليتدفق معها الخير والحياة. وإذا كان الاهتمام بالفلكلور والموروثات الشعبية لإعطاء الفرد الثقة بثقافته وشخصيته وعطاء الأجداد والآباء ليرتبط بوطنه وتاريخه الذي يبني على أساسه المستقبل الذي لا ينفصل عن مفردات الماضي فإنه يجب الحذر من الدعوات التي تتستر خلف الاهتمام بالفلكلور والموروثات الشعبية لتجعلها مدخلاً لإحياء التراث الجاهلي والوثني، حيث إن بعضاً من هذه الطقوس تخالف عقائدنا وشرعنا مثل بعض الموروثات التي تتناول السحر وغيرها من الأمور التي فطن لها علماؤنا الأجلاء وتفضلوا بالتنبيه عليها وتوضيحها وكشف ما بها من لبس.
مشاركة :