متعة القراءة و «الذائقة» المفقودة .. مسؤولية من؟

  • 4/22/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

الكتابة والقراءة حالة وجدانية تستوجب استحضار المشاعر والعقل معا، لها أدواتها التي تطعهما إما جمالا أو تتسبب لها بالنفور. مع أن الجهات الثقافية المعنية في المملكة تشجع صناعة الكتب بعناوينها المختلفة الدينية، الفكرية، الفلسفية، الأدبية، الاقتصادية وغيرها، لإبراز أقلام جادة، دعما منها للمؤلفين السعوديين، وإضفاء قيمة فعلية للكتاب في مختلف الأصعدة المعرفية والدولية، إلا إن أكثر مايبرز على الساحة المحلية هي الكتابات الروائية خاصة للأقلام الغضة حديثة التجربة. وكان معرض الكتاب الأخير شهد توقيع 250 كتابا جديدا لمؤلفين محليين، على الرغم من تراجع الرواية السعودية في قائمة الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر"، مرجعين سبب ذلك لانتهاء زمن "الطفرة"، ولعلنا نطرح السؤال الذي بدأ به الكاتب نجيب الزامل حديثه لـ "الاقتصادية" حول هذه الطفرة التي سمحت لكثيرين باقتحام ساحة الكتابة دون ضوابط "من يحكم من؟ ... ومن هو القاضي؟!" وذكر الزامل أن التحكم بالناس صعب خاصة فيما يتعلق بالإبداعات الإنسانية، وهنالك الكثير من المحاولات البائسة والركيكة، ومقياس الناس هو المعرفة، فلا أستطيع وضع يدي عليهم، وطالما كان هنالك طلب فهنالك عرض. «مدارك»: تخوفنا من نجاح كتاب “العواد” لحداثة تجربته في الكتابة لكن المبيعات أثبتت العكس. وقال الزامل "الإغراق مؤذ"، وسبيلنا لتصحيح ذلك هو رفع ذائقة الناس عن طريق التربية، الدراسة، والتواصل، كاشفا أنه حصل على 180 إهداء كتاب خلال أشهر، لكنه لا يستطيع التعقيب على أغلبها لكونها دون المستوى، لكنه في الوقت ذاته لا يعد ذلك جرما، فالأدب السيئ موجود منذ بدأ الإنسان بالتدوين والرسم، بل إنه وجد في الأدب الجاهلي، وبعض نماذج الأدب الشعبي في العهد العباسي كألف ليلة وليلة التي خلقت ضجة وثورة على الأدب حينما تمت ترجمتها في أمريكا وغيرها من البلدان، كما أن الأدب الأجنبي أيضا كانت له تجارب سيئة كدون كيشوت، والبؤساء، أوهارا، وهي جميعها انتشرت لأنها للشعب. وأوضح أن الجميع كان يتكلم باللغة السائدة، ومواقع التواصل الاجتماعي بريئة من تهمة نشر تلك النوعية من الأدب، ولكن "تويتر" على سبيل المثال أصبح مرآة وحالة شعبية "عبرت ففضحت"، كما أن دور النشر ليست الملامة فهي ليست مجامع أدبية، وإنما هي تجارية، لا علاقة لها بالسمعة، مقياسها بالنجاح تجاريا لا أدبيا، تبحث عن الأرباح ولو قدم لها كتاب للطبخ فسيلقى طريقه للنشر. الزامل خالد العتيق - مسؤول النشر في دار «مدارك» – قال بأننا لا نستطيع أن نقول بأن السوق متاح للجميع، ففي النهاية القارئ هو الحكم، وذائقته هي التي تحدد، وحين أتكلم عن "مدارك" بصورة خاصة فهي تهتم بالمضمون أكثر من الكم، وهنالك لجنة كفاءات مهمتها فرز 15 إلى 20 كتابا يوميا ولايهمها الاسم بقدر اهتمامها بالمادة، مضيفا أن "مدارك" مشروعها تنموي ولا يهمها الكم، كما أنها تعد من أكثر الدور التي تقدم أسماء جديدة فهي تؤمن بأحقية الاستماع للجميع، وبتقديم لغات جديدة أبطالها اليافعون. وأضاف أن التوجه الذي تنتهجه دور النشر، توجهات مبررة إذا ما أردنا تطعيم الساحة بكتّاب جدد، وإلا لما كانت هنالك أسماء برزت بعد نجيب محفوظ، كما أن لكل جيل كتّابه، ولا بد من الإيمان بالجيل الحالي، فلكل جيل وقته. وتطرق العتيق لمعرض الرياض الدولي للكتاب الذي شهد التجربة الأولى للاعب السابق تركي العواد الذي نال الدكتوراه أخيراً ولا نخفي خوفنا من أن تجربته في الكتابة لا تلقى القبول المتوقع، ولكن على العكس تماما فنحن تجاوزنا الطبعة الأولى اليوم، فأناقة النص إلى جانب المضمون والشكل تضمن سهولة وصوله للمتلقي والقارئ العادي، في حين أن افتقار النص لذلك لن يمكّن أضخم شركة إنتاج في العالم من تسويقه، ولذلك فنحن نشدد على المضمون ثم المضمون ثم المضمون. فيما أرجع القاص موسى الثنيان سبب ظهور العناوين الكثيرة على الساحة الثقافية للكتاب والروائيين، للاستسهال في النشر وكذلك السير مع الركب وكأن الموضة أيضا دخلت إلى عالم الثقافة، مضيفا أن بعض المتحمسين للكتابة يدخلون للساحة وينشرون نصوصا لا تمت للأدب بأي صلة، قائلا " قد تجد من ينشر كتابا هو عبارة عن تعبيرات "فيسبوكية" أو "تويترية" يمكن وسمها بأنها نصوص مجهولة المعالم لا هي بشعر ولا قصة ولا حتى تندرج ضمن الخاطرة التي لها اشتراطاتها فما بالنا بالأجناس الأدبية الأخرى". آل حمادة وأشار إلى أن الدافع حب الشهرة، مضيفا "أنا هنا لا أعمم ولا أعني شخصا بعينه، ولكنها ظاهرة مع الأسف موجودة وهؤلاء الكتاب وجدوا دور النشر التي تحتضنهم، والقراء السطحيين الذين يقبلون بمثل هذه النصوص". فيما يرى الكاتب والإعلامي حسن آل حمادة أن ما نشهده الآن هو طفرة للروائيين وكنا نأمل أن نشهد طفرة في الرواية! فالكثير من المهتمين بالأدب يتحدثون عن أمنية تراودهم بكتابة رواية ما، وإن كان الكثير منهم لا يجيد تقنيات كتابتها ولا يسعى بشكل جاد لتعلّم ذلك عبر القراءة الجادة للأعمال الروائية المهمة، لذلك نكتشف حين نتصفح كتابا كُتب على غلافه كلمة رواية، أنه أقرب للخواطر أو للبوح الذاتي أو لاسترجاع ذكرى عاشها الكاتب. وبعض الأعمال التي نقوم بقراءتها قد لا ترقى في لغتها ومفرداتها حتى للحكاية العادية التي نسمعها مشافهة من رجل أمي يسترجع ذكريات عاشها. العتيق وأشار إلى أن الوهج الذي تم تسليطه على بعض الروايات التي تقترب من "التابو" قد شجّع البعض على أن يقدّم اسمه ككاتب روائي، كما أن الناشر العربي مع رؤيته هذا الإقبال الكبير من الجمهور على الرواية في معارض الكتب قد دفعه ليطلب بإلحاح من المؤلفين أن يقدموا على كتابة الرواية، لافتا إلى أنه سمع من بعض المؤلفين الذين يعملون في القضايا الفكرية والثقافية أن بعض دور النشر طلبت منهم تقديم أعمالهم في قالب روائي لتزداد نسبة المبيعات لديها! والمحصلة النهائية - مع الأسف الشديد- أننا وجدنا الكثير من الأعمال التي تصدر تحت مسمى الرواية هي أقرب للوليد المهجّن الذي لا يُعرف جنسه! وقال آل حمادة "نعم، كتابة الرواية هي حق للجميع، وفي داخل كل منا رواية يستطيع كتابتها بعمق أو بسطحية"، منوها إلى أننا مطالبون بالعمل على كتابة رواية جادة تحمل بين صفحاتها ثراء في اللغة وعمقا في الفكرة وقوة في الحبكة، كما أننا في حاجة إلى رؤية الكثير من الهزال على أرفف المكتبات حتى يأتي اليوم الذي نشهد كُتّاب رواية نفخر بهم وبمنجزهم الروائي.

مشاركة :