يتابع البروفيسور جيفرى وورو أستاذ التاريخ العسكرى البارز بجامعة تكساس الأمريكية والذى يعد من أهم الأكاديميين فى الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال الدراسات الاستراتيجية، ومؤلف كتاب «الحرب والمجتمع فى أوروبا» وكتاب «الرمال المتحركة.. سعى أمريكا إلى السيطرة على الشرق الأوسط»، والذى نقلة إلى العربية صلاح عويس والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة بقولة: وقد اقتصرت السياسة الإسرائيلية وممارسات اللوبى فى سبعينيات القرن العشرين على دق إسفين بين واشنطن والعرب. وقد فطنت وزارة الخارجية الأمريكية إلى «المفارقة» الهائلة ومفادها أن «المبادرات العسكرية الإسرائيلية»، مثل حرب الأيام الستة أو الغارات الانتقامية فى عمق والأردن، بدأت لكى «تعمل باعتبارها حافزا وفيصلا للتصرفات الأمريكية فى المنطقة»، وهى حالة كلاسيكية من قلب الأوضاع. وكان الإسرائيليون يهاجمون بتغذية الرعب الدموى فى سبعينيات القرن العشرين واقترحوا القيام بنفس الرد: أى باستخدام القوة الغاشمة وأشاروا إلى أن «تل أبيب تحتاج دعما أمريكيا بنسبة مائة فى المائة فى كافة المجالات، ويمكن تأمين هذا الدعم بطريقة أفضل إذا كانت واشنطن مسلوبة من الخيارات، وإذا حدث استقطاب فعال للشرق الأوسط بين العرب والاتحاد السوفيتى من جانب، وبين الإسرائيليين والولايات المتحدة من جانب آخر». وكان نيكسون ضعيفا أمام مثل هذه الحجج، بالإضافة إلى الضغط فى واشنطن من الايباك والسياسيين والحشود الموالية لإسرائيل. وعندما قام الرئيس الفرنسى جورج بومبيدو بزيارة الولايات المتحدة تعرض للإزعاج وحاصرته بالأسئلة من جماعة المحاربين القدماء اليهود فى شيكاغو لبيعه أسلحة فرنسية لليبيا. أما نيكسون الذى أعرب فى الخفاء عن أسفه للمشاعر «العنيدة وقصيرة النظر» الموالية لإسرائيل فى الولايات المتحدة، فقد أكد مع ذلك للإسرائيليين أنه لن يمارس عليهم ضغطا قويا فى العلن. وعلى الرغم من أنه هو وروجرز وكيسنجر عارضوا وجهة نظر جولدا مائير القائلة بأن «السلام الحقيقى مع العرب لن يتحقق مهما كان الثمن» خلقت الأسلحة المتقدمة التى كان ليندون جونسون ونيكسون يبيعانها لإسرائيل منذ عام ١٩٦٥ ديناميكية جديدة هناك، وتذمرت السفارة الأمريكية فى تل أبيب فى شهر إبريل ١٩٧٢ من «أن الإسرائيليين أصبحوا أقل فأقل اهتماما بالرأى العالم، وأنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة ترى الأمور فى الشرق الأوسط على طريقتها، كما أن الإسرائيليين يضعون ثقتهم فى تعزيز قوة جيش الدفاع الإسرائيلى الذى تسلم من المعدات المتقدمة منذ عام ١٩٦٧ أكثر مما تسلم طوال تاريخه». ومع ذلك مضى نيكسون والدبلوماسيون الأمريكيون فى تل أبيب. فى طريق دعمهم لإسرائيل وأزالوا «مانعا آخر لحرية إسرائيل فى التصرف أو حريتها فى عدم اتخاذ أى قرار» عن طريق التخلى تدريجيا عن خطة روجرز لتسوية مصير الأراضى المحتلة وإعادة توطين اللاجئين. وترك نيكسون تلك الخطة تذبل فى مهدها حتى عندما كان يقوم بزيادة عضلات جيش الدفاع الإسرائيلى بحزم من المعونات السنوية وقيمتها ٥٠٠ مليون دولار. وقد اتضح حجم تواطؤ واشنطن مع السياسة الإسرائيلية فى اجتماع محرج لمدة ساعة فى المكتب البيضاوى فى شهر ديسمبر ١٩٧٠ جمع بين الرئيس نيكسون وملفين ليرد وزير الدفاع الأمريكي، وألكسندر هيج نائب مستشار الأمن، وموشى دايان وير الدفاع الإسرائيلى وإسحق رابين سفير إسرائيل. وقد حاول نيكسون مرارًا ربط المساعدات العسكرية لإسرائيل بالتنازلات الإسرائيلية عن الأراضى المحتلة وبالنسبة للاجئين، وقال نيكسون لدايان ورابين: «نحن نتوقع أن تنتقل إسرائيل إلى مائدة المباحثات. ونحن نتوقع ذلك لأن الكونجرس سوف يوافق بعد قليل على حزمة معونة تبلغ خمسمائة مليون دولار، والمحيط العالمى يفرض المفاوضات، كما أن جميع المسئولين الأمريكيين يجمعون على هذا الأمر» وهز دايان رأسه وبدأ يقول بأسلوب ملتو: «إسرائيل تريد التفاوض ولكنها منعت بسبب ما سموه «الانتهاكات العربية» مثل قصف المصريين عبر القناة وهجمات الفدائيين. وعندئذ حاول ديان أن يقايض الاهتمام بالمفاوضات الذى لا يزال بعيدا بشيء فورى بقوله: «إذا كانت الولايات المتحدة سوف تلتزم بتقديم دفعات من ست طائرات فانتوم وست طائرات سكاى هوك شهريا بدءا من شهر يناير ١٩٧١، فأنا متأكد من أن المحادثات (مع العرب) يمكن أن تبدأ». حاول نيكسون أن يكون «متشددا» مع الإسرائيليين، لكنه انتهى إلى التراجع بدلا من ذلك واعتذر قائلا: «هذا يسبب لنا مشاكل معقدة. ويجب على إسرائيل أن تفهم أن الولايات المتحدة لا تستطيع من حين لآخر أن تلبى جميع متطلبات إسرائيل «وتوسل نيكسون إلى دايان قائلا: «ثقوا فى حسن نوايانا» وإجابه دايان بقوله: «لا.. النوايا الحسنة ليست كافية على الإطلاق. نحن فى حاجة إلى خط أنابيب دائم لضخ المعدات العسكرية» ورفع نيكسون العلم الأبيض مستلما، ولذلك آثر أن ينال ثقة أفضل مقدما فقال: «ليست لدى أية نية للسماح بسقوط إسرائيل، وأنا شخصيا ملتزم ببقاء إسرائيل على قيد الحياة». وللحديث بقية
مشاركة :