أنقرة –قدّم وزير الخارجية التركية مولود تشاويش أوغلو، الثلاثاء، في لقاء مع تلفزيون محلي صورة إيجابية عن آخر تطورات العلاقات بين تركيا والسعودية والإمارات ومصر، في خطوة ترسم ملامح حقبة جديدة في المشهد السياسي التركي وينتظر أن يكون لها تأثيرات، خاصة على الجانب الاقتصادي، بين هذه البلدان، وإن طال طريق حل الخلافات السياسية عميقة الجذور. سبق ظهور تشاويش أوغلو مع قناة (إن.تي.في) المحلية التركية ظهور مشابه للرئيس رجب طيب أردوغان مع قناة (تي ار تي هاربر) المحلية ركز فيه بشكل أساسي عن العلاقات مع مصر حيث "تجمعهما علاقات قوية وتاريخية"، مشيرا إلى أن هناك “وحدة في القدر” بين شعبي البلدين. بات ينظر إلى هذه التصريحات والظهور الإعلامي المحلي على أنه جزء من إستراتجية حزب العدالة والتنمية الحاكم لإعداد الرأي العام للتغييرات الطارئة على السياسة الخارجية التركية بعد سنوات من التحشيد ضدّ مصر والسعودية والإمارات والترويج لنظريات المؤامرة والدور التركي الداعم للديمقراطية. وفد مصري في تركيا جاءت تصريحات وزير الخارجية التركية عشية زيارة وفد مصري إلى تركيا في الثلاثاء، في إطار استكمال المباحثات الاستكشافية بين مصر وتركيا. يرأس الوفد نائب وزير الخارجية المصري السفير حمدي لوزا ضمن زيارة تأتي "في سياق إجراء الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا، التي ينتظر أن تتناول العلاقات الثنائية بين الجانبين، فضلا عن عدد من الملفات الإقليمية”، حسب ما أعلنت وزارة الخارجية المصرية في بيان. وكانت الجولة الأولى من المحادثات بين تركيا ومصر عقدت على مستوى نواب وزراء الخارجية في مايو الماضي في القاهرة. وجاءت في سياق الحملة التركية لإعادة بناء جسور التواصل مع دول المنطقة وبشكل رئيسي السعودية والإمارات ومصر. فقد أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالا هاتفيا مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الأسبوع الماضي في أعقاب اتصالات بين مسؤولي المخابرات والحكومة في البلدين. وناقش أردوغان، وهو الذي قال قبل عام إن تركيا قد تقطع العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي بسبب إقامة علاقات مع إسرائيل، الاستثمار الإماراتي في تركيا مع مستشار الأمن القومي لإمارة أبوظبي. وقال مسؤول إماراتي إن "الإمارات مهتمة باستكشاف آفاق تعزيز العلاقات". لم تثمر هذه الاتصالات عن نتائج تذكر حتى الآن، لكن البعض يرى أن المسار يتحرك بسلاسة وسرعة أكبر. وقال دبلوماسي في الخليج إن العملية "تسير بخطى سريعة.. أسرع مما كان يعتقد الكثيرون. لقد قلبوا صفحة الماضي". ووصف مسؤول تركي كبير الاتصال الهاتفي بين أردوغان والشيخ محمد بن زايد بأنه خطوة بالغة الأهمية باتجاه التغلب على الخلافات التي عكرت صفو العلاقات بينهما، قائلا إن البلدين يمكن أن يتعاونا معا في الشرق الأوسط. وأضاف المسؤول "ستُتخد أولا خطوات فيما يتعلق بالاقتصاد"، موضحا أن القضايا الأخرى "لم يتم الاتفاق عليها، لكن هناك رغبة في معالجة القسم الأكبر من هذه المشاكل". ويقول مسؤولون أتراك ودبلوماسيون خليجيون إن كلا البلدين يدركان أنهما يدفعان ثمنا اقتصاديا للتوترات الجيوسياسية بينهما، ويفاقم الوضع أعباء جائحة كوفيد-19. وظهر الإحساس بهذا الثمن بصورة أوضح عند أردوغان في تركيا، التي بلغت نسبة التضخم فيها 19 بالمئة وأدت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة واضطرت البنوك الحكومية لبيع 128 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي في العام الماضي لدعم الليرة التي تراجعت قيمتها. لكن، التكاليف الاقتصادية ليست سوى واجهة للأزمة السياسية وحالة الاختناق التي شعرت بها تركيا. فرغم أنها نجحت في السنوات الماضية في أن تحقق اختراقا لعديد الدول وأن تكون لاعبا مؤثرا في ملفات هامة في الشرق الأوسط على غرار ليبيا وسوريا، لكن ظلت هذه القوة محاصرة حتى مع وصول الإسلاميين الذين تدعمهم إلى الحكم في دول محورية. الهلال السني حتى في الصومال والدول الأفريقية التي أغرقتها تركيا بالمساعدات لم تتمكن من بسط يدها بأريحية، مثلما فعلت إيران في العراق واليمن ولبنان. كانت تركيا تتطلع في سنة 2011 إلى الهلال السني أسوة بالهلال الشيعي مستغلة حالة الانقسام التي حصلت مع تغييرات الربيع العربي وتمكين الإسلاميين من الحكم بدعم أميركي. نزل أردوغان بثقله، لكن سرعان ما خارت قوى جماعة الإخوان المسلمين ولم يبقى من مشروع التمكين سوى جماعات متفرقة هنا وهناك عوض عن السيطرة على دول بأكلمها. ويلفت تقرير لمجلة الإيكونومسيت أنه "بعد عقود من التحضير المفترض للسلطة، وجد الإسلاميون أنفسهم غير مستعدين للمهمة - ويواجهون جدارا من المعارضة من الدول العربية الأخرى، التي ترى الإسلام السياسي تهديدا مميتا". بالتزامن مع هذا الوضع، كانت أنقرة تواجه ضغطا أوروبيا متصاعدا ودخلت في خلاف مع واشنطن بشأن صفقة الأسلحة مع روسيا وهذه الأخيرة وإن كانت حليفة فإنها يمكن أن تنقلب في أي لحظة كما حدث في نوفمبر 2015 إثر إسقاط تركيا لطائرة روسية وما لحقه من عقوبات روسية قاصمة لظهر تركيا. تعقّد الوضع أكثر مع خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض، فهذا الأخير وإن لم يكن حليفا قويا لتركيا إلا أن سياسته القائمة على المصالح كانت مناسبة لأردوغان. أما الوضع مع خلفه الديمقراطي جو بايدن فهو مختلف خاصة في ظل التوجه الأميركي نحو محاصرة الصين مقابل ترك الشرق الأوسط غارقا في أزماته ما يدفع دوله إلى تطوير استراتيجيات دفاعية خاصة بها قادرة على حماية أمنها القومي. في ظل رمال المنطقة المتحركة، سعت أنقرة إلى القفز من السفينة قبل أن تغرق خاصة مع ما طرأ من تغييرات وتحالفات في شرق المتوسط والعلاقات بين قبرص واليونان ومصر والإمارات كما السيطرة الروسية على الجانب الآخر من الخارطة وعلاقتها مع الجمهوريات السوفييتية السابقة التي تمثل بعدا استراتجيا هاما لتركيا، التي تأزمت علاقتها مع أوروبا خاصة بعد أن حول أردوغان ملف اللاجئين إلى ورقة ضغط وابتزاز. وبين جوار أوروبي غاضب من أنقرة، وحلفاء تتغير بوصلتهم (بداية كسر الجليد في العلاقات القطرية الخليجية( وسياق إقليمي ودولي طارد للإسلام السياسي، بدأت أنقرة تراجع سياساتها. وفي لفتة من جانبها إلى القاهرة في وقت سابق من هذا العام، فُهمت أيضا في الرياض وأبوظبي، طلبت تركيا من قنوات المعارضة المصرية بما فيها جماعة الإخوان والقنوات ذات التوجهات الإسلامية تخفيف نبرة الانتقادات لمصر. ولا تزال تركيا تحجب المواقع الإلكترونية لبعض المنظمات الإماراتية، بما في ذلك وكالة الأنباء الحكومية، لكن الحكومة أوقفت ما كان في السابق وابلا لا ينقطع من سهام النقد التي تستهدف الإمارات والسعودية ومصر، وهي دول حليفة لروسيا والصين حليفتا تركيا. ويلفت الباحث في معهد الشرق الأوسط سلجوق كولاكوغلو إلى أن إستراتيجية الشد والجذب وفق التطورات المحيطة عقيدة في سياسة الحاكم في تركيا مشيرا إلى أنه كان لحزب العدالة والتنمية منذ وصله إلى السلطة في عام 2002 إلى غاية سنة 2010 سياسات موالية للغرب ووصف موقف أنقرة السياسي بأنه موقف "ديمقراطية مسلمة"، في إشارة إلى الديمقراطيين المسيحيين (في ألمانيا). في تلك الفترة كانت تركيا تتطلع إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وخرجت من عقدة الانقلابات العسكرية وتعيش نهضة اقتصادية وهدوءا داخليا وتتبع سياسة خارجية متوافقة مع السياسة الخارجية التقليدية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك. ويضيف كولاكوغلو في دراسة نشرها على موقع معهد الشرق الأوسط، ومقره واشنطن، إلى أنه حتى عام 2010، كان لحكومات حزب العدالة والتنمية علاقات إيجابية مع جميع دول الشرق الأوسط تقريبا ، بما في ذلك السعودية ومصر وسوريا وليبيا وإيران وإسرائيل. في تلك الفترة، أجرى حزب العدالة والتنمية الحاكم أيضا مراجعات إيجابية للسياسة الخارجية الكمالية لتطوير العلاقات مع جميع جيران تركيا - بما في ذلك اليونان وأرمينيا - ومع القوى العالمية - بما في ذلك روسيا والصين - لتعزيز دور تركيا باعتبارها "دولة تجارية" تعتمد على أدوات "القوة الناعمة". لكن، عام 2011 كان نقطة تحول. في ذلك العام، قرر حزب العدالة والتنمية تغيير أيديولوجيته من "الديمقراطية الإسلامية" إلى "الإسلام السياسي". بداية التراجع يشرح كولاكوغلو أنه كان هناك دافعان رئيسيان وراء هذا التغيير في توجهات حزب العدالة والتنمية. محليا، عزز حزب العدالة والتنمية سلطته في تركيا ضد المؤسسة العلمانية، ولم تعد هناك حاجة إلى دعم الليبراليين الأتراك للحفاظ على توازن ثابت للقوة السياسية. ثانيا، مع وفاة نجم الدين أربكان في ذلك العام، الأب المؤسس للفكر الإسلامي السياسي في تركيا ، لم يعد حزب الرفاه الذي كان يدعمه يشكل تحديا لحزب العدالة والتنمية. على الصعيد الدولي، كانت تركيا تتمتع باهتمام عالمي متزايد. وبدأ حزب العدالة والتنمية يفكر في أن دعامة الاتحاد الأوروبي لم تعد ضرورية لتركيا للحفاظ على استقرار اقتصادها عندما اندلعت الأزمة المالية في منطقة اليورو. علاوة على ذلك، كان الربيع العربي يوفر فرصة سانحة، حيث كانت حركات الإسلام السياسي تنشر نفوذها. وكانت جماعة الإخوان المسلمين تروج لنموذج لحزب العدالة والتنمية التركي لتولي السلطة عبر "طرق ديمقراطية وسلمية". إلى جانب ذلك، كانت صورة أردوغان القيادية تتألق بشكل مشرق في الشوارع العربية بعد أزمة أسطول الحرية مع إسرائيل في مايو 2010 بعد تحول أيديولوجيته في عام 2011، قرر حزب العدالة والتنمية استخدام أدوات القوة الصلبة لاسيما في سوريا بدلاً من سياسة القوة الناعمة فقط، وهنا بداية تقليص الأرضية بالنسبة لتركيا، وفق كولاكوغلو الذي يضيف أن استخدام القوة العسكرية أحيا الذكريات الإمبراطورية العثمانية المريرة في الشرق الأوسط، وبدأ تظهر أجندة تركيا التوسعية في المنطقة. ويواصل كولاكوغلو تحليله للتحولات في سياسة حزب العدالة والتنمية لافتا أن سنة 2014 كانت سنة حاسمة أيضا، حيث بدأ الحزب يواجه أزمة داخلية دفعته إلى تحالف الأمر الواقع مع القوميين الأتراك للحفاظ على توازن سياسي ملائم. لكن ذلك لم يحل الأزمة بل عقّدها أكثر ما دفع قيادات في حزب العدالة والتنمية إلى الانفصال عن الحرب وتأسيس أحزاب إسلامية منافسة. وكلما ضاقت الأزمة الداخلية على العدالة والتنمية صاحبها تضييق على مستوى السياسة الخارجية، حتى انتهى الأمر إلى التسليم بضرورة التغيير وتحديث الشراكات والتحالفات الإقليمية قدر الإمكان بدلا من تأجيج العداوات. أبوظبي - قالت وسائل إعلام رسمية في السعودية والإمارات إن ولي عهد المملكة وولي عهد أبوظبي بحثا العلاقات الثنائية وقضايا أخرى في اتصال هاتفي الاثنين. وقالت وكالة أنباء الإمارات إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بحثا مجالات التعاون الاستراتيجي بين البلدين وسبل تطويره. وتتميز العلاقات السعودية والإماراتية بتوافقات بشان العديد من القضايا في المنطقة خاصة ضرورة التصدي للتدخلات الإقليمية على غرار التدخلين التركي والإيراني. كما يرفض البلدان فكر التنظيمات المتطرفة على غرار جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها كل من ابوظبي والرياض في خانة التنظيمات الإرهابية وتعملان على مواجهتها في عدد من الساحات. كما يمثل الملف اليمني من بين الملفات المتفق عليها بين الجانبان فالسعودية والإمارات نجحتا في انهاء الاقتتال بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة عبر تحقيق مصالحة سمحت باقتسام السلطة بين الطرفين وبالتالي فسح المجال امام مواجهة الحوثيين الموالين لإيران. ويشارك البلدان في التحالف العربي الذي يواجه المتمردين اليمنيين الذين صعدوا مؤخرا من هجماتهم التي تطال عددا من المحافظات على غرار محافظة مأرب الغنية بالنفط. ونددت الإمارات مرارا بالهجمات الصاروخية التي تستهدف المنشات النفطية والمدنية في السعودية والتي وقف رواءها المتمردون في اليمن. وتمثل العلاقات الإماراتية السعودية ابرز مثال على مدى التضامن العربي في مواجهة محاولات الهيمنة من بعض القوى الإقليمية فلولا هذه الروابط لتم اختراق المزيد من الساحات العربية وتهديد الامن القومي العربي بشكل كلي. ويرى مراقبون ان توطيد العلاقات الإماراتية السعودية يمثل صمام آمان في المنطقة التي شهد خلال السنوات الماضية حالة من التشظي والاضطراب بسبب التنظيمات المتطرفة. كمما تعمل كل من ابوظبي والرياض على استعادة بعض الدول العربية من قبضة النفوذ الإيراني على غرار العراق الذي يسعى لتعزيز علاقاته مع محيطه الخليجي والعربي ويواجه نتيجة ذلك ضغوطات كبيرة من قبل إيران وحلفائها في المنطقة. كما تنظر السعودية والإمارات بقلق شديد من تصاعد النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان وهو قلق تتقاسمه اغلب الدول العربية. وتستهدف قوى إقليمية وتنظيمات الاخوان العلاقات السعودية الامارتية في محاولة يائسة لتوتيرها خدمة لأجندات معينة لا تصب في مصلحة المنطقة العربية.
مشاركة :