هواتف ذكية جعلتنا أغبياء اجتماعيا

  • 8/25/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كتبت اكثر من مرة هنا قائلا إن الهاتف اصبح أداة للتنصل من روابط الرحم والدم والصداقة والجيرة باللجوء إلى النفاق اللاسلكي، ثم جاءت الهواتف الذكية فقضت على الهواتف الغبية وسببت لنا المزيد من الغباء الاجتماعي، فرغم أن فيها تطبيقات تسمح بالمكالمات المجانية إلا أنها جعلتنا ندمن الرسائل النصية ليس بغرض تبادل التحية ولكن لتبادل الطرائف فصار الواحد منا يزور أخته المتزوجة في حي بعيد بعد طول انقطاع عنها ثم بعد تبادل تحية بروتوكولية يجلس محملقا في شاشة تلفونه ويبتسم ويضحك فيحس بالحرج وينظر إلى أخته فيجد عيونها أيضا مسمرة على شاشة تلفونها. وحتى عندما يتكرم أحدنا بالاتصال صوتيا مع آخر عزيز لديه يكون كلاما من شاكلة: كيف أحوالك.. شهرين ما شفناك.. حبينا نطمئن عليك!! لو كنت فعلا معنيا بأمري لضحيت بالحلقة التاسعة من المسلسل التركي الركيك، وزرتني في بيتي أو دعوتني إلى كوب شاي في بيتك. وكل هذا كوم وان تعطيني رقم هاتفك ثم لا ترد على مكالماتي كوم آخر، ومؤخرا انتشر البريد الصوتي في الهواتف الجوالة خصوصا عبر تطبيق واتساب، فصرنا نستخسر الكتابة على الأحباب ونسجل لهم رسائل في غضون ثوان معدودة، وحتى عند من ما زالوا يستخدمون الهواتف الثابتة اصبح من الوجاهة ان يحول الناس هواتفهم إلى البريد الصوتي لإعطاء الانطباع بأن صاحب الهاتف «مُهم» ومش فاضي وكثير المشغوليات! حسنا اعترفنا بأنك شخص مهم ولا ترد على كل المكالمات ولكن رجاء لا تعطيني رقم هاتفك مجددا لأنني سأشطبه من ذاكرة هاتفي الجوال ومفكرتي. وقد عانيت خلال الأيام الماضية من اتصالات أجريتها بعدد من الأصدقاء، فإذا بهم جميعا اصبحوا بين سحور وفطور من كبار الشخصيات: هذا الهاتف محول إلى البريد الصوتي يرجى إدخال رقم البتاع، أو ترك رسالتك، طبعا لا يمكن ان اترك رسالة لأنني لا احب ان أتحدث مع جماد، وقبل بضع سنوات كان لي زميل في المكتب لاحظت انه يقوم بتغيير صوته عند الرد على المكالمات ويقول عن نفسه انه غير موجود وكان صاحبنا يملك عملا خاصا في مجال بائس، وكان يقول انه لا يليق برجل الأعمال ان يعطي الانطباع بأنه موجود و«فاضي» دائما وبالطبع فقد فشل في العمل التجاري واصبح متخصصا في ذم التجار. (بصراحة عندي عقدة قديمة مع المكالمات المسجلة نشأت عندما ذهبت إلى لندن أول مرة وأجريت اتصالا هاتفيا وظل صوت نسائي يقاطعني بانتظام، فشتمتها.. وفهمت لاحقا أنني كنت أتشاجر مع شريط تسجيلي). وللأهمية أشكال أخرى، فقبل عدة سنوات استفز هدوئي في قيادة السيارة شاب، اعترض طريق سيارتي وأرغمني على الوقوف، ثم نزل من سيارته وتهكم على طراز وشكل سيارتي وكانت سيارته جديدة تلمع، فقلت له: أتحداك.. نخرج كلانا أوراق ملكية سيارتينا ولو لم يتضح ان سيارتك مرهونة بنسبة 85% سأحول سيارتي إلى بيت دجاج، ولأنني أفحمته فقد لجأ إلى الحيلة القديمة وهي الإيحاء لي بأنه شخص مهم، فقلت له لو كنت مهما فعلا لما احتجت إلى إبلاغ الناس بأهميتك، وهنا طلب مني ان القي نظرة على رقم سيارته فسألته: كم دفعت فيه؟ فأعجبه السؤال وقال انه دفع فيه مبلغا من خمس خانات فقلت له: إذا كنت مهما فعلا لجاءك الرقم المميز دون ان تدفع فيه فلسا وأنت على أي حال تستمد أهميتك من طراز ورقم السيارة وعليه فإن مجادلتك عبث لا يليق بشخص «مهم» مثلي. كاد المسكين ان يموت من الغيظ ولكنه انهزم كما مرسي ابن المعلم زناتي. كم هو ممتع ان تمسح الأرض بغرٍ مغرور.

مشاركة :