يفضل البعض الفنان السويسري ألبرتو جياكومتي رساما بالرغم من أنه اشتهر نحاتا. كذلك الأمر بالنسبة للفنان الإيطالي أميديو مودلياني الذي أحب الكثيرون رسومه غير أن البعض يميل إلى منحوتاته. في عالمنا العربي هناك قلة من الفنانين مارسوا فني النحت والرسم بالقوة نفسها. يقف في مقدمتهم العراقي إسماعيل فتاح. وهو ما يمكن قوله عن المصري آدم حنين الذي هو من وجهة نظري التي تعبر عن ذائقتي الجمالية الشخصية رسام أهم من كونه نحاتا. غير أن تاريخ الفن يقول شيئا آخر بالتأكيد. فحنين هو واحد من أهم النحاتين المعاصرين في العالم العربي. منحوتاته ذات الطابع المصري العميق هي عنصر أساس من العناصر التي تتشكل منها الهوية الفنية للنحت في مصر وهو الفن الذي لم يجرؤ الكثيرون على الاقتراب منه لصعوبته. النحت في مصر هو الفن الأصعب. من خلاله يقف الفنان في مواجهة الفراعنة فيخسر بيسر رهانه. لا لشيء إلا لأن النحت الفرعوني لا يزال مدهشا وملغزا وقادرا على بث الذعر في النفوس بسبب إتقانه وخياله وقوة تعبيره. الإقامة في متحف انتصر الفراعنة من خلال منحوتاتهم على الزمن. لذلك فإن من يفكر في أن يكون نحاتا في بلادهم إما أن يحتمي بسقفهم ويكون ابنا لهم أو ينهار عليه ذلك السقف بحجارته الثقيلة. بعد محمود مختار وجمال السجيني ظهر آدم حنين ليقبل ذلك التحدي. سيكون من الصعب أن تكون نحاتا مصريا من غير أن تطيع الفراعنة. كان حنين قد قرر أن يشق عصا الطاعة بطريقة مخاتلة. لم يكن فرعونيا غير أنه كان كذلك بالطريقة التي تتناسب مع أسلوبه المعاصر. وإذا ما كان قد اختار اسما فنيا لا يفصح عن طائفة بعينها فإنه بدا في فنه مصريا من غير أن يتشبه بما كان الفنان المصري القديم يفعله. عن طريق تأثره بفنانين سبق لهم أن تأثروا بالفن المصري أقام حنين علاقة من نوع مختلف بتراث أجداده. إنه الابن المعاصر والمختلف لأولئك الأجداد العظام. ولم يكن الرسم بعيدا عن تلك المحاولة. رسوم حنين تذكر بالبرديات التي تأثر بها الروسي سيرجي بولياكوف الذي تأثر به حنين. وبغض النظر عن ذائقتي فإن حنين هو الفنان المصري الذي أعاد لفن النحت المصري هيبته في العصر الحديث. حنين واحد من أهم النحاتين المعاصرين في العالم العربي. منحوتاته ذات الطابع المصري العميق هي عنصر أساس من العناصر التي تتشكل منها الهوية الفنية للنحت في مصر وهو الفن الذي لم يجرؤ الكثيرون على الاقتراب منه لصعوبته ولد حنين، واسمه الحقيقي صامويل هنري، عام 1929 بالقاهرة من عائلة من أسيوط يعمل أفرادها في صياغة الحلي. درس النحت في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة وتخرج منها. قضى سنتين في مرسم الفنون الجميلة بالأقصر الذي أسسه الفنان محمد ناجي عام 1941 ثم التحق بمرسم انطوني هيلر بميونخ. وعمل رساما في مجلة صباح الخير. وفي عام 1971 انتقل للعيش فنانا متفرغا في باريس حيث أقام هناك 25 سنة. بين سنتي 1989 و1998 عمل حنين في ترميم تمثال أبي الهول في سياق مشروع أشرفت عليه وزارة الثقافة المصرية. وفي عام 1971 أسس سمبوزيوم أسوان الدولي وهو عبارة عن ورشة نحت تقام سنويا ويُدعى للمساهمة فيها نحاتون من مختلف أنحاء العالم، يكون الغرانيت المحلي هو مادتهم الوحيدة. أقام معرضه الشخصي الأول عام 1958 بميونخ الألمانية. أما معرضه الأول بالقاهرة فقد أقامه عام 1961. لم يكتف حنين بالحجر المصري للتعبير عن انتمائه الحضاري بل زاد على ذلك أنه حين اتجه إلى الرسم استبدل القماش بورق البردي ليصنع منه سطوحا للوحاته التي صار يرسمها بالأصباغ الطبيعية الممزوجة بالصمغ العربي. صورته نحاتا معاصرا تعتبر “السفينة” التي نفذها لحساب متحف الفن العربي الحديث بالدوحة واحدا من أهم أعماله النحتية من جهة حجمها الكبير ومن جهة تعبيرها عن أسلوبه الشخصي الذي استفاد من خلاله كثيرا من النحت المصري القديم. في قرية الحرانية أو قرية حارون التي أنشأها الكنعانيون قديما بالقرب من تمثال أبي الهول أقام حنين منزله عام 1996. ذلك المنزل تحول في ما بعد إلى متحف شخصي يضم أكثر من أربعة آلاف قطعة فنية هي ما تبقى لديه من نتاجه الفني عبر أكثر من ستين سنة. وينظم المتحف مسابقة سنوية للنحاتين الشباب في مصر والعالم العربي. حين حول حنين منزله إلى متحف حقق حلما شخصيا قديما. أن يقيم في متحف. يقول حنين “كنتُ طفلا صغيرا أحب اكتشاف الأشياء حين اصطحبنا مدرس التاريخ إلى المتحف المصري. هناك رأيت لأول مرة التماثيل الحجرية الضخمة وانبهرت بالرسوم والكتابات المنقوشة على الحجر. خرجت من المتحف ذلك اليوم كالمسحور. لم تغب عن مخيلتي أشكال التماثيل التي رأيتها، وكان أول تمثال صنعته بعد هذه الزيارة بأسابيع قليلة تقليدا مبسطا لما رأيته داخل المتحف. كان تمثالا من الصلصال أخذه والدي ووضعه داخل ورشته الصغيرة التي كان يمتلكها لصناعة الفضيات وكانت فرحتي غامرة وأنا أراه يعرض ذلك التمثال على أصدقائه متفاخرا. صنعت بعدها تماثيل كثيرة من الطين ومن الحجر. ولكن يظل ذلك التمثال الصغير هو الشرارة الأولى التي منحتني ذلك الوهج”. كان مصريا حديثا لقد جرب حنين في واحدة من أهم مراحله الفنية أن يكون نحاتا ورساما تجريديا. وكان لديه كل الحق في القيام بذلك. فليس واجبا على المرء أن يكون تشخيصيا لكي يكون وفيا لهويته التي هي ليست ذات أفق محلي كما يظن الكثيرون. كانت “مصريته” حاضرة في تلك المرحلة بطريقة مختلفة وهو ما وهبه حرية في الحركة جعلته قادرا على تقديم النموذج الذي ينطوي على فكرة إعادة صياغة تلك الهوية وفق مفاهيم معاصرة. كان تمثاله “شيخ البلد” قد وضعه إلى جانب محمود مختار، نحات مصر الأول في العصر الحديث. وكان عليه أن يكتفي بذلك الإنجاز “الوطني” ليبحث بعده عن صورته في مرايا النحت الحديث. “كاهن النحت” هو اللقب الذي استحقه آدم حنين عن جدارة. فالرجل نذر نفسه وحياته من أجل أن يكون نحاتا. كانت فكرة أن يكون المصري نحاتا هي أكثر الأفكار التي حملته على تخيل صلته بالعالم. لذلك فإنه لم يجد في تأثره بنحاتين كانوا قد تأثروا بفنون مصر القديمة أي مثلب يُذكر. ذلك التأثر كان بالنسبة له هو فعل استعادة. النحت في مصر هو الفن الأصعب. من خلاله يقف الفنان في مواجهة الفراعنة فيخسر بيسر رهانه. لا لشيء إلا لأن النحت الفرعوني لا يزال مدهشا وملغزا وقادرا على بث الذعر في النفوس بسبب إتقانه وخياله وقوة تعبيره في واحدة من أكثر مراحله الأسلوبية رقة واختزالا اهتم حنين بنحت الحيوانات وفي مقدمتها الطيور. لم يعنه في شيء أن تأثره بالروماني برانكوزي كان واضحا. كان طائر برانكوزي بطريقة أو بأخرى قد أعاده إلى النحت الفرعوني. وكان محقا في ذلك. بالنسبة لحنين فقد كان يهمه أن يكون مصريا حديثا لا مصريا وحديثا. هناك فرق بين الحالين. ففي حالته فإن حنين عبر عن مصريته العميقة من خلال انتمائه إلى عصره. وهو عصر وجد فيه أن ملامح مصريته قد تطورت على أيدي نحاتين ورسامين هم ليسوا مصريين. لقد استوعب الحداثة الفنية باعتبارها امتدادا لأصول تاريخية. وهو الفهم الذي قاده إلى أن يكون نحاتا حديثا، مكنته حداثته من التواصل مع عناصر هويته المحلية.
مشاركة :