مستقبل الجنيه الإسترليني بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (1-2)

  • 8/26/2019
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

استيقظ العالم يوم الجمعة 24 يونيو عام 2016 على أنباء الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي اعتبره المراقبون زلزالًا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا عنيفًا تتعدى آثاره حدود بلدان الاتحاد الأوروبي إلى دول العالم أجمع، إذ تعد بريطانيا وكذلك الاتحاد الأوروبي من أكبر الشركاء التجاريين والاقتصاديين لعديد من هذه الدول. كان من مظاهر هذا الزلزال هزة عنيفة في الأسواق العالمية؛ إذ تسبب في تراجع سعر الجنيه الإسترليني أمام الدولار والعملات الأخرى، فقد تراجع بنحو 10% أمام الدولار، وهو أكبر تراجع تسجله عملة دولية في يوم واحد. وتُعد التداعيات الاقتصادية لخروج بريطانيا هي الأيسر تناولًا من بين كل التغيرات التي طرأت على المجتمع البريطاني؛ فمنذ الاستفتاء، في 23 يونيو 2016، دخل الاقتصاد في حالة من الاضطراب، الأمر الذي أدى إلى سحب المستثمرين الأجانب والشركات استثماراتهم من البلاد، وتراجعت التجارة نتيجة لذلك؛ ما تسبب في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بشكل سنوي، وانخفاض مستوى الإنفاق العام، فضلًا عن نقص ثقة المستهلك، واستمرار تدني الأجور، وتقلُّب أسعار العقارات. ومن أخطر هذه التداعيات انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني؛ إذ أخذ في الانخفاض بوتيرة بطيئة على مدار ثلاث سنوات مقارنة بالعملات الرئيسية الأخرى مثل الدولار الأمريكي واليورو؛ ما أسهم في تدهور الأوضاع الاقتصادية. ويُؤكد الكثيرون أنه بمجرد إتمام خروج بريطانيا ستسوء الأوضاع فيها بشكل كبير؛ وخاصة في حال خروجها من دون اتفاق، بينما تُشير الآراء الأكثر تفاؤلًا إلى أن انخفاض قيمة الجنيه سيجذب المستثمرين الأجانب بنسبة كبيرة إلى البلاد على المدى البعيد. وينظر هذا المقال في هذه الآراء المختلفة، ولا سيما الرأي القائل إن خروج بريطانيا من دون اتفاق سيدفع إلى مزيد من التدهور؛ وهو الاتجاه الأكثر ترجيحًا في ظل وجود بوريس جونسون رئيسًا للوزراء؛ لذا يُعد تفاؤل البعض بهذا الشأن أمرًا واهيًا. ومن المؤشرات الداعمة لخروج بريطانيا من دون اتفاق تصريح بوريس جونسون: «إن بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي بغض النظر عن إبرامها اتفاقًا أم لا في 31 أكتوبر، مهما كانت الظروف»، وأضاف: «يجب أن نستعيد الثقة في ممارستنا للديمقراطية، والإيفاء بوعود البرلمان للشعب بإتمام الخروج من الاتحاد في 31 أكتوبر». ويبدو أن التوصل إلى اتفاق في غضون هذه المدة القصيرة، على الرغم من إبداء جونسون رغبته في ذلك، احتمال غير واقعي، وخاصة مع تصريح جونسون بأنه لن يتفاوض مع الاتحاد الأوروبي ما لم يتخلَّ عن الإجراءات التي يتم من خلالها التمهيد لفرض حدود صارمة بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية البريطانية. وفي هذا الصدد قال دكتور روبن نيبليت مدير المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتهام هاوس): «إن حديث جونسون بشأن التفاوض على اتفاقية الخروج مع الاتحاد الأوروبي مجرد مسرحية هزلية»، وإن الاتحاد الأوروبي «يرفض الخضوع لشخص يعتبره الكثيرون شعبويًّا انتهازيًّا». وللسيناريو الأكثر ترجيحًا؛ الخروج من دون اتفاق، عواقب وخيمة بالفعل على قيمة الجنيه الإسترليني؛ إذ انخفض أكثر من 8% منذ شهر مايو، وتم تداول الجنيه الإسترليني يوم 18/8/2019، بقيمة ما يُعادل حوالي 1.21 دولار؛ مسجلًا أقل قيمة منذ يناير 2017، وأقل بكثير من القيمة التي وصل إليها قبل استفتاء عام 2016، حين كان يعادل 1.50 دولار. وتوافقت آراء كثير من المحللين الاقتصاديين على أن هذا الخروج سيكون له أثر بالغ على انخفاض قيمة الجنيه، وهو ما يُشير إليه الانخفاض الحالي في المضاربة على قيمته قبل تاريخ الانسحاب في أكتوبر، ومن ثم ستكون العواقب الاقتصادية لذلك كارثية. ففيما يتعلق بالاستثمار والتمويل، يتفق معظم المحللين الاقتصاديين على أن بريطانيا ستخسر الكثير من قوتها كسوق جاذبة، كما تخشى الشركات من أن يؤدي ضعف الجنيه إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج؛ إذا اعتمدوا على الخامات والخدمات المستوردة في عملية الإنتاج. وبالفعل أدت التكهنات حول ضعف الجنيه إلى قيام مستثمرين دوليين بنقل أموالهم من المملكة المتحدة إلى دول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي؛ مثل سويسرا وألمانيا وهولندا، وإلى هذا أشار ستيفن هولدن من مؤسسة كوبلي للأبحاث لصحيفة (ذي إندبندنت): «نشهد تحولًا ملحوظًا من بريطانيا إلى أوروبا من قبل مديري الصناديق الدوليين»، «إن ضعف الجنيه هو بالتأكيد العامل الرئيسي في انخفاض الأسهم بالمملكة المتحدة، ولكنه يعكس الحذر من خروج بريطانيا أيضًا». وسيكون قطاع الخدمات المالية هو الأكثر تضررًا، إذ ستعاني هذه الخدمات من الأضرار التي ستلحق بالجنيه. وسوف تعاني الشركات المالية المتداولة بالجنيه من انخفاض القدرة على التعامل بشكل مربح مع الشركات الأجنبية التي تستخدم عملات بديلة، مثل الدولار واليورو، وسينعكس ذلك على صناعة التمويل في البلاد؛ لأنها قائمة على الاستثمار الأجنبي الذي يضع ثقته في الجنيه القوي، ومن المعلوم أن قطاع الخدمات المالية هو الأكثر إسهامًا في الناتج المحلي الإجمالي البريطاني، ويسبق التصنيع والتشييد والزراعة. وعلى الرغم من ارتفاع المخاطر فإن بعض الاقتصاديين ومحللي السوق مازالوا يأملون إمكانية أن يُساعد تراجع الجنيه على تحفيز صناعة التمويل والاستثمارات الأجنبية في بريطانيا؛ فيسلط بعض خبراء الاقتصاد في «رويترز» الضوء على أن: «ضعف الجنيه يجعل من الأرخص للمستثمرين الأجانب الذين يحملون عملات أخرى شراء الأصول البريطانية»، ولكن هذا لم يتحقق بعد؛ إذ لا يزال الكثيرون حذرين من الاستثمار في بريطانيا نتيجة للاضطراب السياسي الناجم عن خروجها من الاتحاد، ويعتريهم القلق بشكل خاص من أن هذا سيتضاعف في حالة حدوث سيناريو «خروج بريطانيا من دون اتفاق». ولكن ربما من الممكن في الشهور التالية لانسحاب بريطانيا أن تشعر الشركات الأجنبية بالثقة في توجيه مزيد من الاستثمارات إليها؛ لاستغلال انخفاض سعر الصرف؛ ما قد يعطي دفعة للقطاعات المالية والصناعية والزراعية والخدمية. بيد أن هذا لا يزال حتى الآن سيناريو افتراضيًّا، كما أن هذا ينطبق أيضًا على الفوائد المحتملة للجنيه المُتراجع على التجارة. ولا جدال في أن هذا كان له تأثير سلبي على الواردات البريطانية برفع كلفة شراء السلع والخدمات من البلدان الأخرى. ونظرًا إلى اعتمادها على الواردات، مع محدودية الناتج الزراعي والصناعي، فقد أضر ذلك بالأعمال التجارية والمستهلكين المحليين على حد سواء من خلال ارتفاع الكلفة والأسعار.

مشاركة :