مـسـتقـبل الـجـنـيه الإسـتـرلــيني بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (2-2)

  • 8/27/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

على نحو متفائل، لاحظت أقلية من الاقتصاديين والمحللين في الأسابيع الأخيرة أنه من الناحية النظرية سيتم تعويض أثار إنخفاض الجنيه؛ نظرًا إلى أن الصادرات البريطانية يجب أن تستفيد من تخفيض قيمة العملة؛ ما سيجعل انخفاض السلع والخدمات المنتجة في بريطانيا أكثر جاذبية للمشترين الأجانب، والقادرين على شراء المزيد منها بكلفة أقل مع عملات أكثر تنافسية مثل اليورو. ويشير تقرير نشرته جامعة كوفنتري في هذا الصدد: «لقد أضحت البضائع البريطانية أرخص في الخارج؛ بسبب سعر الصرف المُساعد»، «وهو ما يفيد الاقتصاد من خلال تحسين القدرة التنافسية للشركات وزيادة الصادرات». ولكن بالنسبة إلى معظم المراقبين، فقد ثبت مغالطة هذا التوقع؛ فكما يرى كل من جوش دي ليون وسواتي دهينغرا الباحثين في كلية لندن للاقتصاد: «إن انخفاض الجنيه الإسترليني كان متوقَّعًا من قِبل البعض أن يحقق طفرة في الصادرات، وهو ما لم يحدث»، و«بالنسبة إلى دول مجموعة السبع لم ترتفع قيمة الصادرات من المملكة المتحدة بشكل أسرع». كما وجدت دراسة أجراها 3 أساتذة جامعيين في صحيفة ذا كونفرزيشن الأمريكية أنه اعتبارًا من أكتوبر 2018 تضاءلت الصادرات البريطانية بنسبة 13% عما كانت عليه قبل إجراء استفتاء خروجها من الاتحاد الأوروبي. وهناك عدد من الأسباب لعدم ظهور أي توقعات بتحسن سوق الصادرات البريطانية، وكذلك تراجع احتمالية حدوثه حال الخروج من دون اتفاق، أهمها: أن السلع والصناعات البريطانية المصدرة والخدمات الأخرى تعتمد في الأساس على الواردات، ومن ثمَّ تكون الأرباح قصيرة الأجل وضئيلة في الوقت ذاته. ونظرًا إلى ظهور وانتشار سلاسل التوريد العالمية، بدءًا من الشركة المصنِّعة، وصولًا إلى التخزين، وحتى النقل، فإن العديد من المنتجات والخدمات التي تصدرها بريطانيا، مثل السيارات، تعتمد على العديد من الأجزاء المستوردة من الخارج. ومن جانبه يقول دنكان كونورز: «إن 50% من صادرات المملكة المتحدة يعتمد على المكونات المستوردة من الدول الخارجية، وهنا سوف تصبح هذه المكونات أكثر كلفة مع انخفاض سعر الجنيه الإسترليني؛ ولذلك ستكون المكاسب المحققة من نمو الصادرات محدودة»؛ ومن ثمَّ تتراكم الآثار السلبية المترتبة على ضعف سعر الجنيه الإسترليني على الواردات؛ ما سيلحق ضررًا جسيما بقيمة السلع البريطانية المصدرة. وإجمالًا يمكن القول: إن الخسائر الاقتصادية الناتجة عن ضعف الجنيه الإسترليني -حتى الآن- سوف تستمر على الأرجح في التفوق على كم الفوائد المحتملة لهذا التراجع. وهناك تأثير آخر لضعف الجنيه يجب وضعه في الاعتبار، وهو خارج نطاق العواقب الاقتصادية والمالية المباشرة، ألا وهو التأثير السياسي لهذا التراجع؛ إذ كانت تتم الإشادة بقوة الجنيه الإسترليني من قبل السياسيين البريطانيين في جميع أنحاء الفضاء السياسي في البلاد كرمز لقوة الدولة ومكانتها الدولية المرموقة على مدى سنوات طويلة. وفي هذا الخصوص يُسلط المراسل الاقتصادي لصحيفة «نيويورك تايمز» بيتر جودمان الضوء على هذه القضية بقوله: كان الجنيه البريطاني يمتلك منذ فترة طويلة دورًا مهمًّا في الاقتصاد الدولي، ولا يخفى مدى قوته منذ عصر الإمبراطورية البريطانية، لكن في الآونة الأخيرة تحولت العملة إلى علامة تشير إلى تضاؤل حظوظ بريطانيا ووهن قوتها في الوقت الحاضر مع خروجها من الاتحاد الأوروبي. ومن ثمَّ يبدو أن بريطانيا ليس لديها الكثير للشعور بالغبطة والسرور فيما يتعلق بالتراجع السريع في قيمة الجنيه الإسترليني قبل خروجها من الاتحاد الأوروبي، الذي سيستمر حتمًا عند انسحابها فعليًّا. ومع احتمالية الخروج من دون اتفاق في ظل حكومة بوريس جونسون يبدو الحديث عن تعزيز تراجع الجنيه للصادرات البريطانية وتوفير عوائد لقطاع التمويل والمستثمرين الأجانب في غير محله، وغير ذي صله في الوقت ذاته. ونختم بالقول إن من الواضح أن هبوط الجنيه الإسترليني سيلحق ضررًا -بلا شك- بمكانة بريطانيا الاقتصادية والسياسية في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي.

مشاركة :