لا يستبعد الرئيس دونالد ترامب طرح خطة السلام الأميركية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتي تعرف بـ“صفقة القرن” قبيل الانتخابات العامة في إسرائيل المقررة في 17 سبتمبر المقبل. وقال ترامب خلال لقاء مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على هامش قمة مجموعة السبع التي اختتمت أعمالها الاثنين في بياريتز بفرنسا “ربما ترون الاتفاق قبل الانتخابات الإسرائيلية”. وأضاف أنه يعتقد أن كلا من الفلسطينيين والإسرائيليين مهتمون بالتوصل إلى اتفاق سلام، وأن الفلسطينيين سوف يجلسون على طاولة المفاوضات، من أجل تلقي التمويل الأميركي الذي تم تعليقه، على حد تعبيره الذي لا يخلو من مسحة تجارية بناء على خلفية الرجل الاقتصادية. ولفت إلى أن الانتخابات الإسرائيلية “عامل معقد” في خطته، والتي كان من المفترض أن يتم الكشف عنها هذا الصيف. وتأتي تصريحات ترامب بعد يوم من حذف وزارة الخارجية الأميركية اسم السلطة الفلسطينية من قائمة تعريف المناطق في الشرق الأوسط، الأمر الذي ردت عليه الأخيرة بأنه “لا يلغي حقيقة وجود دولة فلسطين على حدود الأرض المحتلة منذ العام 1967”. ترامب عدل موقفه حيال توقيت عرض خطة السلام، نظرا لحاجة نتنياهو إلى هدية من هذا الوزن قبيل الاستحقاق الانتخابي وكانت الخارجية الأميركية تعرف دولة فلسطين، “بالأراضي الفلسطينية” ثم غيرتها إلى “أراضي السلطة الفلسطينية” قبل حذف الأخيرة. ويبدو أن الرئيس الأميركي عدل موقفه حيال توقيت عرض الخطة، نظرا لحاجة ملحة لصديقه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو “بيبي” كما يلقبه الإسرائيليون “لهدية” من هذا الوزن، قبيل الاستحقاق الانتخابي. وأظهر ترامب ترددا خلال الفترة الماضية بشأن عرض الشق السياسي من الخطة الموعودة، رغم ضغوط صقور الإدارة الأميركية، التي تستعجل هكذا خطوة، وهو ما عبر عنه بشكل واضح المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط جيسون غريبنلات، حينما أعرب في إحدى تصريحاته الأخيرة عن أمله في إعلان الصفقة قبيل انتخابات الكنيست. ويعود تردد ترامب إلى الرفض الفلسطيني القاطع لمناقشة الخطة، والتحفظ العربي الذي ترجمه الحضور الباهت لورشة المنامة التي أقيمت في يونيو الماضي برعاية مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر حيث تم خلالها عرض الشق الاقتصادي من الصفقة الموعودة. ويقول محللون إنه حتى العرض الذي جلبه كوشنر معه في جولته الشرق أوسطية الأخيرة التي جرت في يوليو الماضي وتتعلق بعقد قمة في كامب ديفيد في سبتمبر، لم يلق أي حماسة في العواصم العربية التي زارها عراب خطة السلام. ويربط المحللون التغير الطارئ في موقف ترامب لجهة تسريع طرح الشق السياسي من الخطة، برغبته في إنقاذ نتنياهو الذي يواجه استحقاقا انتخابيا مصيريا ليس فقط على صعيد حياته السياسية بل وأيضا الشخصية حيث أن فشل زعيم ليكود في الانتخابات المقبلة يجعله مهددا بالسجن في ظل الاتهامات التي تلاحقه بالفساد. ورجح مسؤول إسرائيلي الأسبوع الماضي، أن يعلن الرئيس الأميركي عن الجزء السياسي من خطة السلام خلال الأسابيع القليلة المقبلة، مستدركا “ذلك يعود له بالنهاية”. ولعب الرئيس ترامب دورا محوريا في فوز نتنياهو بالانتخابات الماضية التي جرت في أبريل الماضي، حينما قرر في غمرة الحملة الانتخابية الاعتراف بالجولان السوري المحتل أرضا إسرائيلية، ولم يكتف ترامب بذلك بل حرص في إطلالاته آنذاك على الإشادة بدور نتنياهو، وربط نجاح عملية السلام بوجوده فيما بدا استمالة للناخب الإسرائيلي. ويقول مراقبون إن نتنياهو في حاجة ماسة لهدية من وزن صفقة القرن للنجاح في الانتخابات المقبلة، خاصة وأن شعبيته آخذة في التآكل، في مقابل صعود أسهم منافسيه الذين قرروا التحالف للإطاحة به وإنهاء عهد طويل من سيطرة ليكود على سلطة القرار في إسرائيل. ويتخذ نتنياهو من المعركة الانتخابية مسألة حياة أو موت، ويقول خصومه وأعداؤه وبينهم الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله إن رئيس الوزراء الإسرائيلي مستعد للذهاب إلى النهاية لتحقيق انتصار في الاستحقاق، و“لو كان ذلك بدماء الإسرائيليين”. وجاءت تصريحات نصرالله ردا على التصعيد الإسرائيلي في الجبهة الشمالية والذي طال الضاحية الجنوبية ببيروت (معقل حزب الله) ليل الأحد الاثنين، وقبله بساعات بلدة عقربة القريبة من العاصمة السورية دمشق وأدى إلى مقتل خمسة عناصر بينهم اثنان من حزب الله. ويربط كثيرون خطوات نتنياهو الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية بسعيه المحموم لشد العصب اليميني إليه، وأوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي الاثنين ببناء المئات من الوحدات السكنية الجديدة للمستوطنين بالقرب من موقع هجوم وقع الجمعة في الضفة الغربية المحتلة وأدى إلى مقتل إسرائيلية. وفي بيان لمكتب رئيس الوزراء، أمر نتنياهو بتقديم الخطط لبناء الوحدات الاستيطانية في الاجتماع المقبل للجنة التخطيط من أجل “إنشاء حي جديد في دوليف بواقع 300 وحدة سكنية جديدة”. ويعتبر قادة المستوطنين أن النمو الاستيطاني هو الرد الأنسب على الهجمات ضد الإسرائيليين. وورد في البيان قول نتنياهو “سنعمق جذورنا ونضرب أعداءنا (…) سنواصل تعزيز وتطوير المستوطنات”. ويعتبر مراقبون أن مسألة إعلان ترامب عن خطة السلام قريبا لا تنحصر فقط في محاولة تقديم جرعة دعم لحليفه نتنياهو، بل أيضا لاعتبارات تتعلق به خاصة وأن هناك توترا في العلاقة مع يهود أميركا مؤخرا بسبب تصريحات بدت موجهة ضدهم وتتهمهم بشكل ضمني بازدواجية الولاء. وقال ترامب، الأسبوع الماضي إن اليهود الأميركيين الذين يصوتون للحزب الديمقراطي يظهرون “إما افتقادهم التام للمعرفة، وإما انعداما شديدا للولاء”. وأثارت تصريحاته جدلا كبيرا في أوساط يهود أميركا، حتى في صفوف أولئك الذين يدعمونه، ليعود للرد بالقول “لقد فعلت الكثير من الأشياء العظيمة لإسرائيل”، في إشارة إلى اعترافه بالقدس والجولان أراضا إسرائيلية. وأضاف “برأيي، لقد ابتعد الديمقراطيون عن إسرائيل، في رأيي، إذا قمت بالتصويت لصالح ديمقراطي، فأنت خائن جدا للشعب اليهودي ولإسرائيل. والضعفاء فقط هم الذين يقولون أي شيء آخر غير ذلك”. ولطالما شكل اليهود رافدا أساسا للحزب الديمقراطي بالنظر لموقفه الداعم للأقليات على خلاف الحزب الجمهوري، الذي يتبنى نهجا متشددا حيال هذه الفئة، ومن شأن تصريح ترامب أن يعزز نفور اليهود. ويعتقد كثيرون أن ترامب قد يرى في طرح خطة السلام التي يتوقع أن تكون منحازة بشدة لإسرائيل وتنسف حق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم، “تكفيرا” عن تصريحاته، خاصة وأنه يحتاج هذه الكتلة النافذة (اليهود) في الاستحقاق الرئاسي المقبل الذي تكشف التحضيرات أنه سيكون فصلا ساخنا.
مشاركة :