لا تقرأ ولا تسمع

  • 4/23/2015
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

أتمنى عليك ألاّ تقرأ الأخبار أو تسمعها. لا شيء يبلّد القلب ويخدّر المشاعر مثل تكرارها. أنت تعتقد أنها افتراض وسينما. تقرأ عن سقوط 80 قتيلاً. لا تقرأ شيئًا عن سقوط منازلهم إلى الأبد. لا تقرأ عن الأحياء الذين تركوا أشلاءهم تحت ركامها. لا يستحق الذكر إطلاقًا أن تعرف أنهم فقدوا صور العائلة والذكريات، وصورة الجد والجدة المعلّقة في صدر المنزل منذ أيام الطفولة. الأخبار لا متسع لديها من الوقت لتفاصيل العمر والحياة. لديها الوقت فقط لتفاصيل الموت تبلّغك به. الموت لا يستطيع الانتظار. عنده أوامر عاجلة من الزعماء الذين يريدون محو بلادك لكي يعيدوا بناءها من جديد. إذا كنت تريد أن تعرف شيئًا عما وراء الأخبار، وعن آثار الموت على الحياة، ننصح بقراءة «رسالة من جنوبي إلى أمين عام حزب الله» («القدس»، 20 أبريل/ نيسان) يخبره فيها عن شقيقته التي «استشهدت» في حرب 2006، وعن شقيقه الذي ذهب يقاتل لحماية مرقد السيدة زينب، فإذا به يسقط في حمص، وعن أبناء عمومته وأخواله وأصدقائه، وعن الشيعة الذين يعملون في السعودية والخليج ويحوّلون إلى أهاليهم ملايين العملات وجنى الشباب والعمر. القتل والموت والخراب لم يوفر أحدًا ولم يمرّ بطائفة دون أخرى. ولم تُبِدْ الحروب حلمًا دون آخر ومستقبلاً دون آخر، ولم توفر الحداد واللوعة على فريق دون آخر. إن الموت هو أحد أبسط الوجوه في الحروب. أقسى منه، المذلة التي تتركها في نفوس الأحياء. تجارة القاصرات ورؤية الأمهات يتسولن لأطفال جائعين على أبواب المطاعم. ورؤية العائلات تتدفأ على نيران خشبة لم تعثر على غيرها في الطريق. تروي زميلة عزيزة أنها شاهدت رجلاً أشيب أنيقًا يقف عند تقاطع طرق. كان في الموقع نفسه كل يوم، لكنه لا يمد يده ولا يسأل شيئًا. وأخيرًا سألته هي: هل أستطيع مساعدتك في شيء؟ فقال، ربما بثمن «ساندويتش» لابني. كنا نملك مبنى من ستة طوابق في سوريا، والآن هو رماد. لن يرد ذكر هذا الرجل في الأخبار، ولا للآلاف أمثاله. لن ترد أسماء القاصرات. لن ترد أسماء وأعداد الجياع ولا ماذا يقتات من يسد الرمق. الأخبار شريط مسرع. مسلسل يومي بلا روح وبلا قلب. لاحظ أحيانًا انفعال المذيعة المسكينة وملامح عينيها وهي تقرأ عن فظاعة داعشية أخرى. لكن هذا كل ما تستطيعه. إنها تقرأ مثلك ومثلي أخبار هذه الأمة في الصباح، والظهيرة، والمساء، ومنتصف الليل، وفجر اليوم التالي وضحاه. ظلام دائم، وليل دامس. الجزء الدائم العتم من الكوكب. «الشمس تشرق ثانية»، كما قال همنغواي. صحيح. لكن ليس هنا. عندنا ظلام هو نشرة أخبارنا.

مشاركة :