إذا كان المجتمع والأفراد، على حد سواء، بحاجة ماسة، خاصة في ظل تغول رأس المال، وسحق الكثير من فئات وشرائح المجتمع الدنيا، فإنه من الضروري العمل على ضمان استدامة المسؤولية الاجتماعية للشركات. بمعنى أنه يتوجب تدشين كيانات خاصة بالمسؤولية الاجتماعية، وتُعنى بقضاياها المختلفة، وتضمن أداء الشركات والمؤسسات الرأسمالية المختلفة لأدوارها المنوطة بها، دون أن يُترك الأمر لهذه الشركات تتصرف كما يحلو لها. مرة أخرى، إن المقصود بـ استدامة المسؤولية الاجتماعية للشركات هو خلق القوانين واللوائح التي تضمن التزام الشركات المختلفة بدورها نحو المجتمع.أي فائدة بالنسبة للشركات؟ إذا كنا نقترح سَن قوانين ولوائح للمسؤولية الاجتماعية للشركات، وتأسيس كيانات خاصة بهذا الصدد، فهل هذا يعني تضييقًا على الشركات أو فرض عليه ما لا تريده؟ في الواقع، إن النظر إلى الأمور بهذه الطريقة لا يعدو كونه نظرة قاصرة؛ فعندما تعمل الشركات على تنمية المجتمع وتطويره، فإنها ستكون أحد المستفيدين من هذا التطور. ولنتذكر أن رأس المال الشركات الأول والأهم هو رأس مالها البشري؛ فكيف لو كان هذا الرأس مال مريض، ومنهك، ومتخلف، فأي فائدة أو جدوى يمكن أن يمنحها للشركات التي يعمل على خدمتها. يتعلق الأمر، إذن، بنوع من العلاقة الجدلية بين المجتمع والشركات؛ فالمؤسسات الصناعية والتجارية المختلفة تمنح المجتمع خدمات مختلفة، وتعمل على تطويره وازدهاره، ويمدها (هذا المجتمع) بدوره بالأفراد المؤهلين والأصحاء وذوي الخبرات والكفاءات التي تجعلهم إضافة قوية لأي مؤسسة ينتمون إليها الآن أو في المستقبل. ووفقًا لهذا الطرح، فإن ما تعطيه الشركات للمجتمع في شكل خدمات، وتأمين صحي، وسبل ترفيه، وتنمية اجتماعية، سيرده إليها المجتمع على هيئة رأس مال بشري خبير، ومدرب، ومؤهل كفاية؛ وهو ما يجعلها قوية في عالم يعج بالمنافسين الأقوياء. أولويات مؤسسات المسؤولية الاجتماعية: لنفترض أنه تم تأسيس كيانات ومؤسسات تسهر على المسؤولية الاجتماعية، والعمل على استدامتها، فما هي أولوياتها يا تُرى؟ يمكن تلخيص هذه الأولويات أو تلك المهام على النحو التالي: 1-تنمية المجتمع المحلي: أول ما يجب على الشركات أن تقوم به هو العمل على تنمية وتطوير مجتمعها الأكثر قربًا؛ فهذه هو الأكثر نفعًا لها، كما أنه عليها، في هذا الإطار، أن تعمل على تمويل المشروعات الصغيرة في هذا المجتمع، لا سيما تلك المتعلقة منها بالبيئة والحفاظ عليها؛ فهذه نفعها أعم وأشمل. 2- الاستثمار في الإبداع: يتعين عليها أن تقدم منحًا جامعية ودراسية مختلفة في المجالات التي تحتاجها هي؛ من أجل تربية وتنشئة المواهب التي سوف تستعين بها في المستقبل. 3- نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية، ليس لدى مؤسسات القطاع الخاص فحسب، بل لدى المؤسسات الحكومية، وشركات القطاع العام؛ فالجميع مسؤول عن هذا المجتمع الذي نحيا فيه.الخلاصة: إن قيام هذه الشركة أو تلك ببعض الأنشطة الخدمية أو المجتمعية تجاه هذا المجتمع أو تلك لن يكون كافيًا، ولا مجديًا، على المدى البعيد، طالما لم يكن مستدامًا. والسبب في هذا أن المجتمع يتعرض، وبشكل مطّرد، للكثير من المشكلات التي تنتجها وتخلفها هذه المؤسسات الصناعية المختلفة، وطالما هي تعمل بشكل مستمر؛ فعليها أن تعالج الآثار الجانبية لهذا العمل. وهو الأمر الذي يدفعنا إلى القول بأن المسؤولية الاجتماعية للشركات أمر أخلاقي في المقام الأول، بعيدًا عن جملة الفوائد التي تجنيها الشركات والمؤسسات المختلفة جراء تبنيها لهذا المبدأ. وبعيدًا عن الجوانب الأخلاقية للمسؤولية الاجتماعية، فإن تطبيقها يعود على الشركات بالكثير من المنافع والمكاسب الاقتصادية الصِرف، ولعل أبسطها، بالإضافة إلى ما أشرنا إليه أعلاه، هو أن القيام بمقتضيات المسؤولية الاجتماعية لا يعدو كونه دعاية للشركة، وتحسين صورتها في المجتمع، وهذا مكسب كبير، يدركه العاملون في مجالات التسويق والعلاقات العامة تحديدًا. اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية.. ضمانة بقاء المؤسسات
مشاركة :