مغامرات فنية جديدة في روايات نجيب محفوظ

  • 8/30/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» تتصدر كتاب د. حسين حمودة: «في غياب الحديقة.. حول متصل الزمان/المكان في روايات نجيب محفوظ» تلك المقولة التي ترى: «ما أكثر ما كتب وما قيل، عن أعمال نجيب محفوظ، ما أكثر ما يمكن أن يكتب عنها، وأن يقال»، ويسعى حمودة في هذا الكتاب إلى مقاربة روايات محفوظ من منظور ينطلق من نقطة محددة، بعينها، تتمثل في مفهوم متصل الزمان/المكان، الذي تنتسب صياغته إلى ميخائيل باختين (1895 - 1975)، وإذا كان عدد كبير من القراءات النقدية لأعمال محفوظ قد انبنى على تناولها خلال تحليل «الزمان» أو «المكان» باعتبارهما عنصرين متجاورين مستقلين، منفصلين في النهاية، فإن تناول هذه الروايات من زاوية المتصل القائم على تفاعل هذين العنصرين، بما يولد مفهوماً جديداً، يستحق اهتماماً لائقاً، حيزاً خالصاً مكرساً بأكمله لمحاولة التوقف والنظر والتساؤل والاستكشاف.في هذا الكتاب يسعى المؤلف إلى شيء من هذا، ويطمح إلى تقديم مقاربة أخرى لعوالم روايات نجيب محفوظ، وهو العالم الذي استدعى وسيظل يستدعي المزيد من المقاربات والقراءات، والمؤكد أن روايات محفوظ بغناها وقدرتها على التأويل المتجدد، سوف تظل تكتنز بداخلها تلك الغواية الجاذبة التي تستثير العديد والمزيد من محاولات الفهم والتفسير، محاولة تستكمل أخرى، ومحاولة بعد أخرى.مفهوم «الزمكان» فيما حدده باختين يشير إلى اتصال الزمان والمكان، ويعبر عن الترابط الوثيق بينهما، أو يفصح عن العلاقة الجوهرية المتبادلة بين هذين العنصرين، وقد تم استيعابها في الأدب استيعاباً فنياً، خلال هذا الاستيعاب يمثل تقاطع الأنساق، ويمثل الامتزاج مدخلاً إلى فهم أشكال التغير الذي يعتري الطرفين اللذين يبدوان وقد تحولا معاً من انفصالهما الأول إلى مركب واحد جديد.في هذه المحاولة، يسعى الكتاب إلى تقصي بعض «الزمكانات» التي تتردد في روايات نجيب محفوظ جميعاً (باستثناء رواياته التاريخية الثلاث الأولى) ولعل هذا الاختيار مواجه بمشكلات شتى، يتصل بعضها بكثرة الروايات المتناولة، ويتصل بعضها الآخر بالترتيب الأفضل، الذي يمكن أن يشيد عليه مثل هذا التناول نفسه. إن تحليل 32 رواية لنجيب محفوظ في حيز واحد، مهما اتسع، هدف محال التحقيق بالطبع، كما أن هذا الكتاب يسعى إلى استكشاف فكرة واحدة فحسب مرتبطة بمفهوم الزمكان، من حيث تبين بعض وجوه حضوره الأساسية في هذه الروايات من جهة، وتعرف نماذج من مستويات هذا الحضور ومن كيفياته من جهة ثانية، ومن ثم تلمس مدى انخراطه في موضوعات بعينها.يوضح الكتاب أن التعامل مع روايات نجيب محفوظ التي أبدعها طوال زمن يمتد عبر أكثر من أربعة عقود بمنحى يضعها على مستوى أفقي - كأنها نص واحد متصل - أمر يغفل التمايزات المؤكدة فيما بين هذه الروايات، فمهما كانت الثوابت التي تلوح في هذه الروايات، فإن المتغيرات التي تميز كل رواية وتمايز بين رواية وأخرى، تظل هي الأغلب والأبرز، والأكثر تعبيراً عن تفرد كل نص إبداعي بعالمه، فضلاً عن اتساق هذا كله مع ما هو معروف عن تنامي رحلة الكاتب وتغاير معالمها، وتجربة نجيب محفوظ نفسها تدعم مثل هذا التصور، إذ ارتبطت برحلة إبداعية، كان من معالمها الأساسية التجدد باستمرار، والقدرة على النفي والتجاوز والنزوع، الذي لم يتوقف أبداً، نحو خوض مغامرات فنية متعددة.

مشاركة :