تتجه دراما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نحو ذروة جديدة في وقت حرج يمر به اقتصاد المنطقة، وتهدد بإثارة الفوضى لأصحاب الأعمال والشركات بينما ينزلق جزء كبير من القارة نحو الركود. إن خطوة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بتعليق البرلمان لمدة أسابيع قبل الموعد النهائي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر، تعني أن المشرعين لن يكون لديهم متسع من الوقت لتمرير القوانين لمنع البلاد من الخروج من الاتحاد الأوروبي دون عقد صفقة. والخروج دون صفقة يعتبر أسوأ السيناريوهات التي حاول الطرفان تجنبها منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل ثلاث سنوات. ويرى الكثير من الخبراء الآن أنها نتيجة محتملة. ويستشرف الاقتصاديون مستقبلا كارثيا بالنسبة للشركات وأصحاب الأعمال: من حيث فرض تعريفة جديدة على التجارة بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، والتفتيش الحدودي للأشخاص والتجارة، وفقدان تراخيص العمل بشكل مفاجئ، وظهور عدد لا يحصى من المشاكل التنظيمية. كل هذا سيحدث في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأوروبي بالفعل من ضربة قوية وحالة من عدم اليقين بشأن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، مع وقوف ألمانيا في منتصف الطريق نحو الركود. ويقول أندرو كينينغهام، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في شركة كابيتال إيكونوميكس في لندن، “كان من الممكن أن تتعامل ألمانيا مع رحيل بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي بهدوء قبل عامين، لكنها ستتعرض لضربة شديدة إذا حدث الخروج دون صفقة خلال الشهرين المقبلين”. ولكن أوروبا ستذهب إلى حيث تذهب ألمانيا، ولاسيما بعد أن تراجع أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي في الربع الثاني من هذا العام. ويتوقع الكثير من المحللين أن يتراجع مرة أخرى في الربع الثالث، وكنتيجة لذلك سيتم تصنيفه على أنه يمر بحالة من الركود. من التوقع أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى عقد اتفاق يدوم من 5 إلى 10 سنوات من المفاوضات حول التجارة فألمانيا، أكثر من معظم الدول الأوروبية، تعتمد اعتمادا كبيرا على الصادرات والتصنيع، وقد تلقّت ضربة قوية من الحروب التجارية، إذ تسببت حرب التعريفة بين الولايات المتحدة والصين في تراجع معظم الشركات حول العالم عن الاستثمارات والشحن حيث يتساءلون: أين سيتم توقيع الزيادات الضريبية التالية؟ إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون صفقة سيضاعف مخاوف الشركات الأوروبية. ويقول الاقتصاديون إن بريطانيا ستقع في حالة ركود أيضا، حيث قدر البعض أن اقتصادها قد يتراجع بنحو 3 بالمئة. إن إيطاليا، التي لم ينم اقتصادها على الإطلاق في الربع الثاني من هذا العام وتعتمد بشكل كبير على الصناعات التحويلية والصادرات، قد تبدأ في التراجع أيضا. وقد اجتمعت حكومة جديدة مركزية في إيطاليا هذا الأسبوع، مما خفف المخاوف من أن الإدارة اليمينية يمكن أن تخلق المزيد من الخلاف في الاتحاد الأوروبي بشأن قضايا مثل الديون والهجرة، لكن الخبراء يحذرون من أن الوضع السياسي لا يزال مائعا. ويلاحظ أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن رحيل بريطانيا كان في طور الإعداد لفترة طويلة وأن الشركات في جميع أنحاء أوروبا كان لديها وقت للاستعداد. وفي النهاية، يمكن للمغادرة أن تزيل حالة عدم اليقين بشأن كيفية وتوقيت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويقول نايجل دريفيلد، أستاذ الأعمال الدولية بكلية وورويك بيزنيس في إنكلترا، إن “هذا هراء. ولأن شروط التبادل في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون صفقة ستبقى غير مؤكدة لعدة أشهر، وحتى سنوات، فإن الشركات ستظل متعثرة إلى أن تتأكد الشروط”. ويضيف “هؤلاء الذين يشكلون جزءا من سلاسل التوريد التي تعبر الاتحاد الأوروبي ويعودون إلى بريطانيا، لن تكون لديهم ببساطة فكرة عما إذا كانت أعمالهم ستستمر، حتى يروا الأنظمة قيد التنفيذ”. يمكن أن يتم تجهيز الشركة، ويمكن تأمين إمدادات بديلة، وتخزين المواد، واستئجار مساحة تخزين جديدة، والحصول على التأشيرات التي يحتاجون إليها لموظفيها. ويقول دريفيلد “ومع ذلك، أفترض أن موردا آخر، ربما في دولة أخرى، فشل في الاستعداد، ويتوقف عن مشاركته في سلاسل التوريد، ثم يتوقف شريكه عن التعامل معه. إذن فماذا سيفعل؟”. ويتوقع أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى عقد اتفاق يدوم من 5 إلى 10 سنوات من المفاوضات حول التجارة، وهو ما يقرب من المدة التي استغرقها الاتحاد الأوروبي للتفاوض مع كندا، وهي دولة أخرى في الكومنولث وقيمها الاقتصادية والسياسية قريبة جدا من أوروبا. والاتحاد الأوروبي ككل هو أكبر شريك تجاري لبريطانيا، حيث يمثل ما يقرب من نصف تجارتها الدولية. بالنسبة لبقية الاتحاد الأوروبي، تمثل بريطانيا حوالي 20 بالمئة من التجارة. أما الولايات المتحدة فتمثل 18 بالمئة من صادرات المملكة المتحدة و11 بالمئة من الواردات. والدول الأوروبية الأكثر تعرضا لتعطيل التجارة مع بريطانيا هي الدول الأصغر والأقرب ولديها موانئ تنقل التجارة إلى الجزر البريطانية: مثل هولندا وبلجيكا وإيرلندا. وتتاجر فرنسا وألمانيا أيضا بكثافة مع بريطانيا، لكنهما من الاقتصادات الأكبر التي ستعاني بشكل أقل نسبيا. وفي حين أن التأثير المباشر سيكون أكثر تواضعا خارج أوروبا، فإن المخاوف بشأن تداعيات مثل هذا الوضع من المرجح أن تهز الأسواق وتؤثر على الاقتصاد العالمي الضعيف. كما دعا صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي الحكومات إلى إنفاق المزيد إذا أمكنهم تحمل ذلك. وتعد ألمانيا، التي تحقق فائضا، أحد الأمثلة على ذلك. وقد يسوء الوضع أكثر إذا تدخل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لجعل الأمور أسوأ بالنسبة للاقتصاد الأوروبي من خلال فرض تعريفة على السيارات، وهي صناعة ضخمة في المنطقة، وخاصة في ألمانيا.
مشاركة :