مروان علي: لا جدوى من الكتابة في عالم يمضي بسرعة نحو الخراب

  • 8/30/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ينطلق مروان علي في حديثه لـ“العرب” من مسألة طقوس لحظة الكتابة، يقول “دعيني أخبرك بأني عملت طوال حياتي في مهن كثيرة أسميها ‘مهن القسوة‘؛ عتال في صوامع الحبوب، سائق جرار زراعي، سائق دراجة نارية، عامل في مطعم، مساعد بائع في سوق المواشي، بائع للكتب المدرسية المستعملة، عاطل عن العمل في شوارع قدوربيك، ومهن كثيرة أخرى. تعلمت الكتابة من الحياة والمهمشين في المدن والقرى الكردية في الجزيرة السورية لذلك لا طقوس لدي عند الكتابة. أستطيع الكتابة في أي مكان؛ في البيت والشارع والحديقة والغابة، كل ما احتاج إليه القلم والأوراق فقط”. ينطلق الشاعر مروان علي في تجربته الشعرية من الذاكرة، ويستطرد “غادرنا البلاد بحقائب صغيرة، لذلك تركنا خلفنا أشياء كثيرة. تركت خلفي أهلي وأسرتي وطفولتي وفخاخي وحقول القمح وحصادات الجوندير وشيركو وأسراب القطا في سماء كرصور. لولا الذاكرة لانتهيت بصراحة. هذه الذاكرة تساعدني كثيرا في البقاء على قيد الحياة والكتابة أيضا. علاقتي بكل ما تركته في كرصور بهذه الذاكرة وهي ليست علاقة عابرة ولا أستطيع أبدا أن أدير لها ظهري”. الوطن الأخير يقول علي “حين انتقلت وحدي لمتابعة تعليمي الثانوي في القامشلي، اكتشفت عالما آخر؛ بيوتا من الإسمنت تجاور بيوتا طينية وشوارع نظيفة وحدائق وأشجارا، بينما في كرصور كانت هناك شجرة توت واحدة، عالم آخر مختلف”. ويضيف “ما زلت أشعر بتلك الدهشة التي نراها على وجه طفل من قرية كردية بعيدة حين وصل للمرة الأولى إلى القامشلي برفقة أمه المريضة ووالده الذي ينظر نحو الأرض ويرفع رأسه نحو السماء”. و“الذاكرة هي التي توفد لي المادة الأساسية للكتابة، هذه الذاكرة بيتي الذي لا أستطيع مغادرته وتركته في كرصور، كما أن الانتصار لكل ما بقي هناك واجب أخلاقي وإنساني لي على الأقل لأنه يواجه قوة غاشمة للقضاء عليه بسبب هويته الكردية الواضحة مثل جبال كردستان”. حلب قريبة جدا/ لدرجة كلما فتحتُ النافذة / سمعتُ أصوات الناس/ في المنشية القديمة/ وصفير القطار في محطة بغداد/ حلب قريبة جدا/ أنا البعيد. حلب، كرصور، دمشق، وترحال كثير في مدن شتى، ومع ذلك لم يترك هذا الوطن وراءه. هنا نسأله عن شكل الوطن الذي يحلم به؟ فيجيب “أحلامي بلا حدود. لكن وبكلمة واحدة، يجب أن نطوي صفحة القتل الآن ونشرع في بناء وطن لكل أبنائه. سوريا دولة وهنا أتحدث عنها كبقعة جغرافية لأننا لم نعرف الدولة منذ وصول حزب البعث إلى السلطة. فريدة في تنوعها القومي والثقافي والديني وهي نموذج حقيقي للاختلاف والتعايش، كل ما نحتاج إليه أن تكون هذه البلاد وطنا لكل السوريين، ولا بد من نشر ثقافة التسامح والعمل على تأصيلها في النفوس التي خذلتها الحرب والعالم وإلا لن نستطيع تجاوز هذه المحنة والكارثة التي حلت بنا”. ويتابع “قصائد قليلة كتبتها عن مدينتي القامشلي وقريتي كرصور وكتبت كثيرا عن حلب وحمص ودمشق وحماه واللاذقية. أكتب عن سوريا لأنها الوطن الأخير لي. حين تتحرر كردستان/ سأشتري بيتا صغيرا في حلب”. أحلام كبيرة كتاب “كيف تصبح كرديا في خمسة أيام” يوميات، يؤرخ من خلالها علي علاقته بالمكان الأول. نسأله إلى أي مدى هو معني بالاشتغال على الذاكرة (ذاكرة البشر والمكان)؟ فيوضح “قلت وأكرر، الانتصار لهذا المكان انتصار للجمال في وجه القبح، وقوف مع الحق في وجه الظلم. لن أنسى الصفعة التي تلقيتها من المعلم في الصف الأول لأنني تحدثت بالكردية مع أخي الأصغر مني راكان، وحين كبرت أدركت أن الكتابة جزء أساسي من معركتي للحفاظ على الأمكنة والبشر الذين تركتهم هناك. منهم تعلمت الكتابة ولهم أكتب”. ويعقب حول كتابه “لن يصبح أحد كرديا بعد قراءة الكتاب وهو دعوة إلى ملامسة الألم الكردي والاقتراب منه ويكشف بطريقة ساخرة أحيانا هوس الكرد بتغيير الحدود والبحث عن آمالهم المحقة وحقوقهم المشروعة وأحلامهم العالية. الأمر الأساسي في الكتاب هاجس البحث عن نص أدبي جديد وشكل جديد للكتابة يمزج بين القصة والقصة القصيرة جدا والمسرح والسينما والشعر”. يتناول كتاب “كيف تصبح كرديا في خمسة أيام” في جزئه الأول قضية الكردي وحقوقه، خيباته وأحلامه. وحول حدود الواقعي والمتخيل في هذا العمل يقول الشاعر “لا أعتقد من وجهة نظري كقارئ أولا أن القارئ يبحث عن الواقعي والمتخيل في أي كتاب بل ربما لا تشغله هذه النقطة بتاتا، القارئ يبحث عن الجديد والمختلف والمتعة والشغف وأشياء أخرى كثيرة”. ويضيف “كيف تصبح كرديا في خمسة أيام كتاب عن الكرد والعرب والسريان والآشوريين والأرمن. كتاب سوري حاولت فيه تقديم عوالم كردية من زاوية جديدة، والبحث عن شكل جديد للكتابة، الكتاب دعوة للقارئ ليكون كرديا ويقترب من آمال وآلام الكرد في هذا العالم الذي يدير ظهره للأكراد وأحلامهم وجبالهم وأغنياتهم. ولأن صرخة الكردي لا تصل ستعود إلى حنجرته”. يقول صاحب كتاب “غريب.. لا شيء عنكِ في ويكيليكس” “عندي هوس شخصي بالعنوان، العمل الذي لا يلفت انتباهي من عنوانه أتجاهله وأغمض عيني كي لا أراه، لذلك أحاول دائما البحث عن عنوان مدهش ومختلف وتمكن ملاحظة هذا الهوس من خلال عناوين كتبي ومجموعاتي الشعرية التي صدرت حتى الآن. بعد نشر الكتاب أتأمل العنوان كقارئ فقط، وإذا كانت هناك ملاحظات، أحاول تجاوزها في كتابي القادم. العنوان هو الباب الذي سيدخل منه القارئ ولا بد أن يكون جميلا ومختلفا. العنوان والغلاف من الأشياء المهمة جدا للقارئ، وحتى نوعية الورق لأن دور النشر عادة تبحث عن الورق الرخيص. ربما من نعم هذه الحياة أن ناشري الشاعر والصديق خالد سليمان الناصري، مدير منشورات المتوسط مهووس أيضا بأن يقدّم للقارئ كتابا مختلفا شكلا ومضمونا”. يشير صاحب كتاب “الطريق إلى البيت” إلى أن الكتابة لا تكفيه في التعبير عن مروان الإنسان لذلك يقرأ كثيرا ويشاهد السينما وبدأ في كتابة فيلم قصير وشارك في كتابة فيلم وثائقي قيد الإنجاز. الكتابة، كما يقول، محاولة للتخفيف من آلامه الشخصية على الأقل وخلال فترة الكتابة. ويضيف “منذ بدايتي تأكد لي عدم جدوى الكتابة. أكتب لأنني لا أستطيع أن أفعل أي شيء للفقراء والمهمشين والعشاق وحتى المناضلين الذين يقبعون في السجون بحثا عن العدالة والحريّة والكرامة. أكتب فقط لأنقل تلك الأحلام العالية والبعيدة إلى نصوص وقصائد”. ويتابع مروان علي “في مجموعتي الجديدة ‘لو أن الحربَ مسرحيةٌ‘ التي ستصدر بالألمانية عن منشورات ‘هانس –شيلر‘ في برلين، أركز على هذه الفكرة، لا جدوى من الكتابة في عالم يمضي بسرعة نحو الحرب والخراب”.

مشاركة :