المملكة العربية السعودية وتركيا بلدان محوريان في هذه المنطقة، وتعاونهما يشكل ضمانة لاستقرارها ومعالجة قضاياها ومشكلاتها بروح المسؤولية والعقل اللذين تتسم بهما سياسة هذين البلدين؛ ولهذا حرصت «عكاظ» على لقاء فخامة الرئيس التركي عبد الله غول، بعد أدائه الحج هذا العام وقبل دقائق من لقائه مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ حفظه الله ــ؛ للتعرف على نظرة فخامته لقضايا المنطقة في هذه الظروف الحرجة وموقف بلاده مما يجري فيها من صراعات مسلحة ومواقف سياسية وتحركات دبلوماسية. وكان مقدرا لهذا الحوار أن يمتد قرابة الساعة ليتطرق إلى علاقات تركيا مع المجموعة الخليجية وموقفها من إيران في القضية السورية وجهود تركيا في مساندة الحق الفلسطيني ونظرتها إلى منظمة التعاون الإسلامي، ولكن ترتيبات بروتوكولية أخرت اللقاء حتى لم يبق له من الزمن المحدد إلا عشر دقائق قال فيها الرئيس غول إن التعاون السعودي التركي يشكل ضمانة لأمن واستقرار المنطقة، وإن بلاده تؤسس لعلاقات استراتيجية مع دول مجلس التعاون مع رفضها لإثارة النعرات الطائفية ووجود أسلحة الدمار الشامل في دول الجوار، كما شكك في حدوث تحولات استراتيجية في المنطقة نتيجة للحوار الأمريكي الإيراني. • فخامة الرئيس.. أشكر لكم إعطاء «عكاظ» هذه الدقائق القليلة من وقتكم، رغم برنامجكم الضيق، ومن الطبيعي أن يكون سؤالي الأول عن العلاقات السعودية التركية ونظرتكم لأهميتها في هذا الوقت، وأنتم تلتقون خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بعد دقائق. •• العلاقات السعودية التركية لها امتدادها التاريخي للروابط الكثيرة التي تجمع بين البلدين، لكن في الفترة الأخيرة تنامت أكثر فأكثر وأصبحت في مرتبة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين نتيجة لما يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز من أهمية لهذه العلاقة لأمن واستقرار المنطقة بشكل عام. وقد عقد البلدان اتفاقيات كثيرة في المجالات الاقتصادية والصناعية والدفاعية، وكانت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع لتركيا مؤخرا فاتحة خير لتنمية هذه العلاقات، وهناك مناورات مشتركة بين القوات المسلحة للبلدين؛ إذ جرت مناورات في مدينة تبوك السعودية ومدينة قونيا التركية وهي دلالة واضحة على تنامي العلاقات في جميع النواحي بين البلدين الشقيقين. ونحن نرى أن الترابط الأخوي بين تركيا والمملكة العربية السعودية مهم في جميع الظروف سواء كانت المنطقة تمر بظروف عصيبة ــ كما هي الآن ــ أو تعيش حالة الاستقرار والنماء التي نتمناها جميعا لهذه المنطقة؛ إذا التعاون الوثيق بين هذين البلدين المسلمين مهم جدا بالنسبة لأمن واستقرار المنطقة برمتها. • العلاقات الخليجية التركية القائمة على تبادل المصالح يمكنها أن تؤسس لعلاقات استراتيجية تدعم أمن واستقرار المنطقة، فكيف تنظر تركيا لهذا التوجه؟ •• علاقاتنا بدول الخليج متطورة ومتنامية من أجل تحقيق المصالح المشتركة، وقد وقعنا اتفاقيتين مهمتين مع دول مجلس التعاون، واحدة تتعلق بالتكامل الاقتصادي والأخرى حول العلاقات الاستراتيجية، وهذا فيه دلالة كافية على ما توليه تركيا لأهمية الترابط مع هذه المجموعة لخدمة جميع مصالح الطرفين كما يخدم المنطقة بصفة عامة. • المعارضة السورية لنظام بشار تمر بمرحلة حرجة قبل مؤتمر جنيف2، والمملكة وتركيا تؤيدان حق الشعب السوري في تحقيق مطالبه، فما وسائل الدعم التي تقوي موقف المعارضة؟ •• نحن نتألم لما يحدث في سورية حين نرى الدماء تراق على أرض إسلامية، ونتألم أكثر عندما نرى بلدا يدمر نفسه بنفسه ولذلك فإن الرجوع إلى حلول تلبي مطالب الشعب السوري المشروعة أمر مهم جدا، وهذا ما نرغب فيه جميعا نحن وأشقاؤنا في السعودية ونعمل على تحقيقه، ونعتقد أن من حق السوريين أن ينتهي هذا الوضع الذي يدمر أرضهم ويشرد أهلهم. • فخامة الرئيس.. إيران تثير قلق جيرانها بسياستها القائمة على تشجيع النعرات الطائفية وزرع الحلفاء في المنطقة العربية، كيف تنظر تركيا لهذه السياسة وما مخاطرها على استقرار المنطقة كلها؟ •• أولا.. يجب أن نعي أن التنازع المذهبي بين البلدان الإسلامية يؤثر على مجمل الوضع في العالم الإسلامي، ويجب أن نحذر منه قبل كل شيء، وإذكاء العصبية المذهبية في هذه المنطقة أمر خطر جدا، فإذا نشأ تنازع في مناطق معينة فقد يمتد ويستفحل وينتشر أكثر فاكثر ويشكل ذلك تدميرا للأسس الصحيحة التي يجب أن تقوم عليها العلاقات بين الدول الإسلامية. ومن المعروف أنه يوجد تعدد مذهبي في غالبية الدول وليس عيبا أو شيئا سيئا أن يكون هناك مواطنون مختلفون في المذهب لكن يجب ــ قبل كل شيء ــ أن يكون المواطن لوطنه مهما كان مذهبه، وطبيعة الحال سيكون الاختلاف المذهبي خطرا ومرفوضا حين يتجاوز هذا الحد ليصل إلى التدخل في الشؤون الداخلية؛ ولهذا يجب أن يرتب كل بلد أمور بيته من الداخل بالشكل الصحيح دون تدخل الآخرين، وأن يعمل لسعادة مواطنيه ورفاهية شعبه قبل كل شيء. • فخامة الرئيس.. الولايات المتحدة حليف تركيا التقليدي، فتحت قنوات الاتصال مع إيران ولحقتها الدول الأوروبية، كيف تنظرون لهذا التوجه؟ وما انعكاساته على حلفاء واشنطن في المنطقة؟ •• قبل كل شيء يجب أن نذكر أن الملف النووي الإيراني هو الذي يشغل بال الجميع، ونحن في تركيا لا نريد أن نرى أسلحة نووية أو أي أسلحة للدمار الشامل في بلد جار لنا أو في بلد آخر، ولكن نرى أن الاختلافات حول هذه القضايا يجب أن تحل بالطرق الدبلوماسية ولذلك لا أستطيع إدانة إيران بأفكار مسبقة بأنها تسعى لامتلاك السلاح النووي؛ لأن كل بلد له الحق في امتلاك الطاقة النووية للاستخدامات السلمية، ولكن إذا ثبت أن امتلاكها لغرض الأسلحة النووية حينها يجب التخلص منها، وبالتالي فنحن ننظر إلى مسألة الحوار الأمريكي الإيراني من هذا المنطلق الذي يدور حول الملف النووي لمعالجة الملف النووي. • لكن هناك من يرى أن هذا الحوار قد يتطور ليحدث تبدلات في العلاقات الاستراتيجية في المنطقة. •• أعتقد أن هذه الآراء تتسم بالمبالغة، فعندما نرى بلدا كانت علاقاته مقطوعة مع بلد آخر لعشرات السنين ويتخذ خطوة من أجل رأب صدع تلك العلاقات وتحسين قنوات التواصل فلا يجب أن نفسر ذلك بأنه مشروع تحالف استراتيجي جديد، وبالتالي لا أرى استباق الأحداث فهذا قد يقود إلى فهم أو تفسير غير دقيق. • دول ما يعرف بالربيع العربي تمر باضطرابات وحالة سيولة وعدم استقرار قد تهدد أمن المنطقة كلها، كيف تنظر تركيا لهذا وما أخطاره من وجهة نظركم؟ •• يجب القول إننا نتألم لما يحدث في تلك الدول والمجتمعات من حالة عدم الاستقرار؛ لأن الاستقرار والأمن ضروريان لأي تنمية أو برامج لتحسين الأوضاع، وهما ــ الاستقرار والأمن ــ ضمان أساسي لأمن المنطقة الذي نسعى له جميعا، لكن يجب الإشارة أن هناك أسبابا ومطالب أدت إلى هذا الواقع، ويرى مواطنو تلك الدول أنه يجب تلبيتها، ونحن نرى ضرورة تناغم قادة تلك البلدان مع تلك المطالب لضمان أمن واستقرار المنطقة، وبطبيعة الحال نعرف أن تحقيق تلك التطلعات لا يتم في ظرف قصير فهو يحتاج إلى وقت وعلى المجتمعات إعطاء أوطانهم فرصة استقرار حتى تعمل وسائل الإنتاج في ظروف طبيعية.
مشاركة :