كشفت مصادر في الحكومة العراقية أن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، أجرى مشاورات مع بعض كبار القادة في المؤسسة العسكرية، بشأن إمكانية مواجهة الفصائل المتمردة ضمن الحشد الشعبي. ويواجه عبدالمهدي ضغوطا هائلة، تمارسها فصائل مسلحة موالية لإيران، وتملك نفوذا هائلا في هيئة الحشد الشعبي. وتريد هذه الفصائل أن تلبي الحكومة الرغبة الإيرانية في إخراج القوات الأميركية من العراق، وتقليص العلاقات مع بعض الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، إلى الحد الأدنى. وأبلغت المصادر “العرب” بأن “عبدالمهدي يدرك جيدا أن هذه الفصائل المتمردة ليست كل الحشد الشعبي، وأن هناك أطرافا حشدية موالية للحكومة العراقية وتلتزم بقرارها، كما عبر عن ذلك رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض الذي كان يرد عن نائبه أبي مهدي المهندس، عندما اتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بتفجير مخازن السلاح مؤخرا”. وتقول المصادر إن “كتائب حزب الله المرتبطة بالمهندس شخصيا، وكتائب سيد الشهداء التي يقودها أبوآلاء الولائي، في مقدمة الفصائل التي باتت توصف داخل أروقة الحكومة العراقية نفسها بالمتمردة”. وحرص المهندس والولائي على الظهور العلني إبان أزمة تفجير مخازن السلاح، ليوجها الاتهامات للولايات المتحدة وإسرائيل بالمسؤولية عنها. وعندما سئل الولائي إن كانت اتهاماته للولايات المتحدة ستحرج الحكومة بسبب الحلف الوثيق بين الطرفين، قال عبر التلفاز “فلتحرج من تحرج”، ما اعتبر استهانة بقرار الدولة العراقية. وظهر الولائي إلى جانب عبدالمهدي في معسكر للحشد الشعبي شهد سلسلة تفجيرات في الثاني عشر من أغسطس، ليشرح لرئيس الحكومة حجم الأضرار. وظهر مرة أخرى خلال اجتماع الرئاسات الثلاث “الجمهورية والبرلمان والحكومة” بقادة الحشد بعد أيام في استعراض واضح للقوة. وبالرغم من أن الولائي لم يسبق له أن حصل على رتبة عسكرية أو خدم في مؤسسة عسكرية رسمية، إلا أنه يتولى قيادة مجموعة قتالية كبيرة جدا ضمن الحشد الشعبي، لديها مقرات تضم أطنانا من الذخيرة والسلاح. وتقول المصادر الحكومية إن تحركات المهندس والولائي تعمق الحرج الذي يشعر به رئيس الوزراء، في مواجهة استحقاق السيطرة على الحشد الشعبي الذي التزم به رئيس الوزراء أمام الداخل والخارج. وتوضح أن رئيس الوزراء أجرى بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة مشاورات مع بعض أبرز ضباطه، لـ”تدارس إمكانية إطلاق عملية محدودة لملاحقة مجموعات وشخصيات مارقة، تسيء لسمعة الحشد الشعبي”. وتوضح المصادر أن “المشاورات ركزت على ضرورة تجنب أي استفزاز لأي طرف داخلي أو خارجي”، في إشارة إلى إيران وحلفائها في العراق، ما يعني أن على عبدالمهدي أن يجد غطاء مثاليا لهذا النوع من التحركات. ويقول ساسة مقربون من رئيس الوزراء العراقي إن عبدالمهدي لا يريد أن “يخسر الحشد الشعبي، فهو في النهاية قوة قوامها شبان عراقيون”. ولتحقيق ذلك، تضيف المصادر أن “عبدالمهدي يعمل على عزل القادة المتمردين في الحشد الشعبي، ومنع تأثيرهم من الوصول إلى صغار المقاتلين”. ولكن عبدالمهدي بحاجة على الأقل إلى نموذج واحد في هذا السياق، كي يثبت أنه قادر فعلا على المبادرة، على حد تعبير سياسي سني تحدث مع “العرب”. ويقول هذا السياسي إن “عبدالمهدي يعمل بهدوء كبير، وهذا لا ينفع مع القوى المهيمنة على الحشد الشعبي”، مضيفا أن “عبدالمهدي يحتاج إلى ضرب رأس واحد على الأقل من قادة الحشد المتمردين، وعندها سيشاهد بنفسه كيف تعيد الجبهات صياغة أشكالها”. وختم، قائلا “لو حدث هذا، فسيتحول عبدالمهدي إلى بطل شعبي في الداخل، ورجل دولة في أنظار العالم” ويعود السياسي السني إلى التشكيك في قدرة عبدالمهدي على مواجهة القوى المؤثرة في الحشد الشعبي، مشيرا إلى أن “الرجل، ربما يريد أن ينهي مدته ويذهب، من دون خوض معارك كبرى”. واستبعد مراقب سياسي عراقي وجود صقور وحمائم أو متشددين ومعتدلين بين زعماء فصائل الحشد الشعبي، لأنه تجمع لميليشيات مسلحة تُدار من قبل الحرس الثوري الإيراني وليس مسموحا لهذا الفصيل أو ذاك بأن ينحرف عن خط الإمام الخميني، الذي يشكل مرجعية متشددة في مواجهة العالم الخارجي وإدارة الأزمات الداخلية. وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن رئيس الحكومة يدرك أنه ليس في مقدوره أن يصطدم بما يسمى مجازا بالجناح المتشدد فذلك الجناح هو الذي يمثل حقيقة الحشد الشعبي وجوهر وجوده. كما أن قادة ذلك الجناح هم الأقرب من سواهم إلى قاسم سليماني زعيم فيلق القدس الذي أشرف بنفسه على تأسيس هيئة الحشد وأدار معاركه. وأضاف “لا يمكن لعبدالمهدي في سياق تلك المعطيات سوى أن يطلب من قاسم سليماني التدخل من أجل تهدئة اللعب حفاظا على صورته باعتباره رئيس حكومة ترتبط بالولايات المتحدة بمعاهدات ملزمة. وهو طلب قد لا يجد أذنا تصغي إليه، في ظل تردد إيران في اتخاذ موقف علني محدد في مواجهة التهديدات الإسرائيلية التي يُعتقد أنها وجدت طريقها إلى أرض الواقع من خلال ضربات قاصمة نُفذت في سوريا والعراق ولبنان”. وتتطلب المواجهة المتصاعدة داخل العراق كسب المزيد من الوقت في انتظار ما يمكن أن تسفر عنه الأزمة التي تعاني منها إيران. ويرى المراقب أن الفياض يرخي الحبل قليلا فيما يشده المهندس بقوة في إطار تنسيق بينهما سعيا وراء هدف مزدوج؛ أن لا يُحرج رئيس الوزراء العراقي فيبدو كما لو أنه لا يملك السيطرة على الأوضاع الداخلية وأن لا يبدو الحشد الشعبي كما لو أن الضربات التي وجهت إلى مخازن الأسلحة الإيرانية التي كُلف بحراستها قد أضعفته بحيث ينصاع لأوامر الحكومة العراقية.
مشاركة :