شهر عصيب مرت به منذ نهاية يوليو الماضي، وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بعد صدور تقرير عن لجنة الأخلاقيات بالوكالة يفيد بأن أعضاء من إدارتها متهمون بإساءة استغلال سلطتهم، وسط ممارسات تشمل المحسوبية والتمييز وسوء السلوك الجنسي. ويربط الكثير من المتابعين وعلى رأسهم الفلسطينيون، هذه الطعنات المتكررة والهجمات السياسية المتواترة التي تتعرض لها الوكالة، بوجود إرادة إسرائيلية أميركية، لإلغاء أونروا وذلك في خطوة متكاملة وغير منعزلة عما بات يعرف إعلاميا بطبخة صفقة القرن. اتهامات بالمحسوبية منذ سنوات تواجه أونروا، أزمات تمويلية وهجمات سياسية واتهامات بالفساد، قادتها الولايات المتحدة. وبشأن هذا الوضع يعتقد الفلسطينيون أنه يهدف إلى إنهاء دور الوكالة الأممية، التي تشغل قرابة 5.3 مليون لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمس، وهي: الضفة الغربية، قطاع غزة، الأردن، سوريا ولبنان. وتأسست الوكالة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل لمشكلتهم. ويتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أونروا بأنها تكرس قضية اللاجئين وحق العودة من أجل القضاء على دولة إسرائيل. من جهتها، ترى إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن ممارسات الوكالة الأممية لا تسهم في جهود إحلال السلام، فيما تنفي الوكالة صحة هذه الاتهامات. من بين أحدث الأزمات التي تواجهها أونروا والتي تكاد تعصف بمستقبلها، ظهرت في أواخر شهر يوليو الماضي، حيث صدر تقرير عن مكتب الأخلاقيات في الوكالة يتهم أعضاء في إدارتها العليا بإرساءة استغلال سلطتهم، وسط ممارسات تشمل المحسوبية والتمييز وسوء السلوك الجنسي. من غير المستبعد وفق الفلسطينيين أن تنجح واشنطن في إنهاء عمل "أونروا" أو إدخالها في أزمة مالية لا تستطيع علاجها ويعتبر فلسطينيون أن ذلك التقرير يخدم رؤية كل من إدارة ترامب وإدارة إسرائيل، الساعيتين إلى تصفية القضية الفلسطينية، وخاصة ملف اللاجئين الفلسطينيين، وإغلاق أبواب أونروا باعتبارها الشاهد الدولي على قضية اللاجئين، الذين هجرتهم العصابات الإسرائيلية من قراهم ومدنهم عامي 1948 و1949. وبعد نشر التقرير بيوم واحد، قررت هولندا تعليق مساهمتها المالية للوكالة، واتخذت سويسرا خطوة مماثلة. وتبلغ مساهمة هولندا، رابع أكبر مانح أوروبي للوكالة، 13 مليون يورو (نحو 14.35 مليون دولار) لعام 2019، فيما دفعت سويسرا حوالي 20 مليون دولار كمساهمات للعام الحالي. ولا تخفي واشنطن وتل أبيب رغبتهما في إنهاء أنشطة هذه الوكالة الأممية، حيث سبق لنتنياهو أن دعا في يونيو 2017 إلى “تفكيك أونروا، ودمج أجزائها في مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين”. وأوقفت واشنطن، التي كانت الداعم الأكبر لأونروا، كامل دعمها للوكالة، والبالغ نحو 360 مليون دولار، مما تسبب في أزمة كبيرة للوكالة. ويقول الفلسطينيون إن سياسات ترامب تجاه اللاجئين تتسق مع خطة سلام أميركية مرتقبة للشرق الأوسط، والتي تُعرف إعلاميا بـ”صفقة القرن”. الأهداف والتداعيات يتردد أن صفقة القرن تقوم على إجبار الفلسطينيين، على تقديم تنازلات مجحفة لفائدة إسرائيل، خاصة بشأن حق عودة اللاجئين، ووضع مدينة القدس المحتلة، وحدود الدولة الفلسطينية المأمولة. وفي هذا الصدد، لا يستبعد عبدالستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية بالضفة الغربية، أن تنجح واشنطن في إنهاء عمل أونروا أو إدخالها في أزمة مالية لا تستطيع علاجها، عبر الضغط على دول العالم، التي لطالما استجابت للمطالب الأميركية، لوقف تمويلها للوكالة الأممية. وأضاف أن “واشنطن ستضغط أيضا على بعض الدول لفتح باب الهجرة للفلسطينيين، مثل كندا والسويد وأستراليا، لتفريغ المخيمات الفلسطينية من الشباب، تمهيدا لتفكيكها بعد سنوات”. وتابع “واشنطن تملك قوة عسكرية واقتصادية هائلة، وتستطيع أن تؤذي دولا عديدة، بما فيها روسيا والصين، ولا أستبعد مطلقا أن تنجح في الضغط على معظم دول العالم، وخاصة أوروبا، لوقف تمويل أونروا”. رغم ذلك، شدد قاسم على أن “إدارة ترامب لن تنجح مطلقا في إنهاء قضية اللاجئين، وعلى العكس ستخلف محاولاتها تداعيات تحول القضية إلى ملف عالمي”. وأكد أن “محاولات ترامب إنهاء عمل أونروا وإلغاء حق العودة ستشكل تهديدا أمنيا لإسرائيل خلال الفترة المقبلة، فالمساس بذلك الحق، وهو من الثوابت الفلسطينية، سيشعل ثورة عارمة ضد إسرائيل”. أما ناهض زقوت، مدير عام مركز عبدالله الحوراني للدراسات والتوثيق (تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية)، فيقول إن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان بقوة وبسرعة لإلغاء أونروا، الشاهد الحي على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وتابع أن “إسرائيل نجحت، عبر اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، بالضغط على إدارة ترامب للعمل على إلغاء ونروا، وهو ما اتضح بوقف واشنطن دعمها للوكالة الأممية، ومحاولات تشويه سمعتها عبر اتهامها بالفساد”. أكد أن “الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان إلغاء أونروا لأنها تلعب دورا أساسيا ومركزيا في حياة اللاجئين الفلسطينيين، بما توفره لهم من خدمات تعليمية وصحية وإغاثية تحد من معاناتهم”. وأردف “واشنطن وتل أبيب تعتبران أن أونروا تساهم في إطالة أمد قضية اللاجئين وتساندهم بالمطالبة بحقوقهم السياسية والإنسانية”. أما بشأن التداعيات المحتملة لإلغاء أونروا، فقال زقوت “إذا توقفت خدمات الوكالة لن يستطع اللاجئون إطعام وعلاج وتعليم أطفالهم”. وتوقع أن “تزداد معدلات الجريمة، لتوفير لقمة العيش، مما يشكل خطورة أمنية داخل المجتمعات المستضيفة للاجئين”. ومضى قائلا إن “إلغاء الوكالة سيدفع لاجئين إلى الهجرة والبحث عن وطن بديل يوفر لهم لقمة العيش والحياة الكريمة، وهو هدف تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى تحقيقه”. أما معين أبوعوكل، رئيس اللجان الشعبية للاجئين الفلسطينيين (تابعة لمنظمة التحرير) فقد حذر من أن “عواقب إنسانية خطيرة ستصيب اللاجئين في حال توقفت أونروا”. وقال إن “استمرار عمل أونروا يساهم في تجنب وصول اللاجئين إلى حالة من المجاعة، ويدعم السلام والاستقرار”، داعيا إلى “استمرار دعم الوكالة الأممية حتى تواصل تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، إلى حين عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها”. وحث المجتمع الدولي والدول العربية على “العمل لتوفير التمويل اللازم، وبشكل دائم، للوكالة حتى تتجاوز عجزها المالي”. وكان مفوض عام أونروا، بيير كرهنيبول، قال في بيان بتاريخ 30 يوليو الماضي، إن الوكالة واجهت مؤخرا “هجمات مالية وسياسية حادة”. وأشار إلى تقرير مكتب الأخلاقيات في أونروا، قائلا إن “الاتهامات، التي لا يزال التحقيق فيها مستمرا، أصبحت هجمات شخصية، وهو ما أرفضه بشدة”. وشدد على أن الوكالة ستواصل العمل لضمان استمرار خدماته. وأعلن كرهنيبول، خلال مؤتمر صحافي في 27 أغسطس الجاري، أن “خدمات أونروا كانت معرضة للخطر، خاصة عندما أوقفت الولايات المتحدة عام 2018 دعمها المالي المقدر بـ360 مليون دولار”. وشدد على أن الوكالة الأممية عملت على تحشيد الدعم المالي، وتمكنت من الحفاظ على خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين، لكنها لا تزال تعاني من عجز بقيمة 150 مليون دولار. ولفت كرهنيبول إلى أن أونروا واجهت، في الفترة الماضية، تحديات سياسية تتعلق بتعريف اللاجئ وعدد اللاجئين الفلسطينيين.
مشاركة :