كتبت كثيرًا، وكذلك فعل غيرى.. ولكن ما تعيشه الدول حولنا.. بل ما نعيشه نحن داخل مجتمعاتنا الآن يحتاج إلى تكرار حتى نفهم، ونعى، أهمية هذا المعنى.. ففى التكرار مزيد من الحرص فى عالم ماتت فيه الضمائر. كانت العرب قبائل متناثرة متناحرة، يكيد بعضهم لبعض، وكانوا يغيرون على بعضهم، يسلبون، ويغنمون، ويأسرون.. ومنهم من كان يعيش على هذه الأسلاب والغنائم، ولهذا كان العربى يتحرك وسلاحه فى يده وما أسرع أن يلجأ إليه، ليس دفاعًا عن النفس فقط.. ولكن منعًا من أن يتحول إلى أسير، أو عبد، يخدم الشخص المغير.. ولهذه الطبيعة تدخل الله سبحانه وتعالى وجعل بينهم أربعة أشهر يحرم عليهم القتال فيها.. لينعموا ببعض الراحة. وليقوموا بحق الحج والعبادة.. وكان ذلك قبل الإسلام، ورغم ذلك منهم من أصر على القتال فيها، بل منهم من ضرب الكعبة بيت الله- بعد الإسلام- بالمنجنيق!. كان السلاح إذن فى يد كل واحد، سيفًا، أو خنجرًا، أو رمحًا أو سهمًا وأحيانًا غمسوا الخنجر فى السم الزعاف حتى لا ينجو المطعون. وجاء الإسلام، ليجعل الله سبحانه السلام باليد التحية الوحيدة بين الأشخاص، فالشخص- وهو يقترب من آخر- وقبل أن يلتقى به كان يرفع يده إلى أعلى لكى يراها الآخر واضحة.. وليعرف أنه جاء لا يبغى قتلًا أو التحامًا واقتحامًا، ليس هذا فقط بل كان الصوت يشف ويكشف عن النوايا، وكثيرًا ما قال لنا عميدنا عباس محمود العقاد- فى ندواته ببيته بشارع السلطان سليم- إن كلمة السلام تقال بعدة طرق فهى مرة للترحيب، ومرة لتنهى الحوار.. يعنى بالبلدى السلام عليك يا سيدى.. ومع السلامة.. وفى النفوس الكثير.. أى السلام أهلًا.. والسلام للطرد.. وفى النفس ما فيها. ولكن أن تجتمع اليد المرفوعة عاليًا وهى خالية من أى سلاح.. مع السلام لفظًا تنبئ طبقات الصوت عن أغراضه.. فهذا هو الجديد.. والسلاح كان دائمًا ظاهرًا للعيان ليعلن الشخص عن استعداده للضرب أو للغدر.. لذلك كان يتمنطق الشخص بالخنجر فى وسطه لامعًا جاهزًا.. وهو أثمن ما يحمله الواحد.. وكان «كل» الحكام العرب يتمنطقون بهذه الخناجر حتى عهد قريب، مهما أحاط بهم حراسهم.. فلا حارس عندهم إلا الواحد منهم.. ولذلك نجد من العرب- حتى وقت قريب- من ظل يضع الخنجر ولما تطور أصبح يضع المسدس متدليًا- جاهزًا- بجنبه، وأشهر هؤلاء: الملك حسين وياسر عرفات.. وصدام حسين. ومع الخنجر كنا نجد إصرار الواحد على حمل السيف أيضًا مع الخنجر، وربما «الغدارة» من الغدر، أى المسدس معهما.. مخفيًا.. بداعى الحذر والاستعداد، لهذا كانت جاءت تحية الإسلام بكلمة السلام، ورفع اليد قبل أن يقترب لكى يعلن الواحد أنه جاء مسالمًا.. وها هى يده مرفوعة تؤكد هذا المعنى. ولكن ماذا لو كان الواحد «أعسرً» أى يستخدم يده اليسرى فى القتل وغيره. * نقلا عن "المصري اليوم"
مشاركة :